وَقِيلَ: تَقْبَلُ مَنْ تَشَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ اللَّاتِي يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لَكَ فَتُؤْوِيهَا إِلَيْكَ وَتَتْرُكُ مَنْ تَشَاءُ فَلَا تَقْبَلُهَا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ؟ فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ (١).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ﴾ أَيْ: طَلَبْتَ وَأَرَدْتَ أَنْ تُؤْوِيَ إِلَيْكَ امْرَأَةً مِمَّنْ عَزَلْتَهُنَّ عَنِ الْقَسْمِ، ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ لَا إِثْمَ عَلَيْكَ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لَهُ تَرْكَ الْقَسْمِ لَهُنَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُؤَخِّرُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ فِي نَوْبَتِهَا وَيَطَأُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا، وَيَرُدُّ إِلَى فِرَاشِهِ مَنْ عَزَلَهَا تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى سَائِرِ الرِّجَالِ، ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ﴾ أَيِ: التَّخْيِيرُ الَّذِي خَيَّرْتُكَ فِي صُحْبَتِهِنَّ أَقْرَبُ إِلَى رِضَاهُنَّ وَأَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِنَّ وَأَقَلُّ لِحُزْنِهِنَّ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ﴾ أَعْطَيْتَهُنَّ، ﴿كُلُّهُنَّ﴾ مِنْ تَقْرِيرٍ وَإِرْجَاءٍ وَعَزْلٍ وَإِيوَاءٍ، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ وَالْمَيْلِ إِلَى بَعْضِهِنَّ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾
﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (٥٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ، مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: "لَا تَحِلُّ" بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، "مِنْ بَعْدُ": يَعْنِي مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ التِّسْعِ اللَّاتِي خَيَّرْتَهُنَّ فَاخْتَرْنَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَ اللَّهُ لَهُنَّ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ النِّسَاءَ سِوَاهُنَّ وَنَهَاهُ عَنْ تَطْلِيقِهِنَّ وَعَنِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِنَّ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ (٢).
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ؟
قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ سِوَاهُنَّ (٣).
(٢) راجع فتح الباري: ٨ / ٥٢٦.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير: ٩ / ٧٨-٧٩ وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، والنسائي في النكاح، باب: ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه: ٦ / ٥٦، والدارمي في النكاح، باب قول الله تعالى: (لا يحل لك النساء من بعد) ٢ / ١٥٣ وابن حبان في موارد الظمآن برقم: (٢١٢٦) ص (٥٢٣)، وصححه الحاكم: ٢ / ٤٣٧ ووافقه الذهبي، والبيهقي: ٧ / ٥٤، والإمام أحمد في المسند: ٦ / ٤١، ١٨٠، وانظر: فتح الباري ٨ / ٥٢٦، التلخيص الحبير: ٣ / ١٢٣.