وَقِيلَ التَّنَاوُشُ بِالْهَمْزَةِ مِنَ النَّبْشِ وَهُوَ حَرَكَةٌ فِي إِبْطَاءٍ، يُقَالُ: جَاءَ نَبْشًا أَيْ: مُبْطِئًا مُتَأَخِّرًا، وَالْمَعْنَى مِنْ أَيْنَ لَهُمُ الْحَرَكَةُ فِيمَا لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِيهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَسْأَلُونَ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقَالُ وَأَنَّى لَهُمُ الرَّدُّ إِلَى الدُّنْيَا. (١)
﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ أَيْ: مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا.
﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤) ﴾
﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعَايِنُوا الْعَذَابَ وَأَهْوَالَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَرْمُونَ مُحَمَّدًا بِالظَّنِّ لَا بِالْيَقِينِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ وَشَاعِرٌ وَكَاهِنٌ، وَمَعْنَى الْغَيْبِ: هُوَ الظَّنُّ لِأَنَّهُ غَابَ عِلْمُهُ عَنْهُمْ، وَالْمَكَانُ الْبَعِيدُ: بُعْدُهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا يَقُولُونَ، وَالْمَعْنَى يَرْمُونَ مُحَمَّدًا بِمَا لَا يَعْلَمُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ يَقُولُونَ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ. ﴿وَحِيَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾، أَيِ: الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: نَعِيمُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا، ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ﴾، أَيْ: بِنُظَرَائِهِمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾، أَيْ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ وَالتَّوْبَةُ فِي وَقْتِ الْيَأْسِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ﴾، مِنَ الْبَعْثِ وَنُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، ﴿مُرِيبٍ﴾، مُوقِعٍ لَهُمُ الرِّيبَةَ وَالتُّهْمَةَ.

(١) انظر: الدر المنثور: ٦ / ٧١٥.


الصفحة التالية
Icon