يُحَيِّي بِهَا وَجْهَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمِصْدَاقُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ ذَكَرُهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. (١)
وَقِيلَ: "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ": ذِكْرُ اللَّهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" أَيْ: يَقْبَلُ اللَّهُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ أَيْ: يَرْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ يَرْفَعُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ذِكْرُ اللَّهِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ، فَمِنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ، (٢) وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، فَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ صَالِحًا يَرْفَعُهُ الْعَمَلُ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (٣) وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ وَلَا قَوْلًا وَلَا عَمَلًا إِلَّا بِنِيَّةٍ". (٤)
وَقَالَ قَوْمٌ: الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ "يَرْفَعُهُ" رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ [أَيْ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ]، (٥) فَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنِ التَّوْحِيدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ.
وَقِيلَ: الرَّفْعُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عز وجل ٩٠/ب مَعْنَاهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِصُ، يَعْنِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ سَبَبُ قَبُولِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (الْكَهْفِ-١١٠)، فَجَعَلَ نَقِيضَ الصَّالِحِ الشِّرْكَ وَالرِّيَاءَ، ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيِ: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي الَّذِينَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ" (الْأَنْفَالِ-٣٠).

(١) أخرجه الطبري: ٢٢ / ١٢٠، وصححه الحاكم: ٢ / ٤٢٥ ووافقه الذهبي. والبيهقي في الأسماء والصفات: ٢ / ٣٤، وزاد السيوطي نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني انظر: الدر المنثور: ٧ / ٨-٩.
(٢) هذا الجزء أخرجه الطبري: ٢٢ / ١٢١ عن ابن عباس.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ١٠ لعبد بن حميد والبيهقي عن الحسن.
(٤) قال الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف ص ١٣٨-١٣٩: أخرجه الخطيب في "الجامع" من رواية بقية بن إسماعيل بن عبد الله عن أبان عن أنس بهذا مرفوعا، وأبان متروك، وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا، أخرجه ابن عدي وابن حبان، كلاهما في الضعفاء عن خالد بن عبد الدائم، عن نافع بن يزيد عن زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب عنه، بلفظ "قرآن في صلاة خير من قرآن في غير صلاة" الحديث. وفيه: ولا قوة إلا بعمل إلى آخره. ورواه ابن حبان أيضاك من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن مسعود. وفيه أحمد بن الحسن المصري، وهو كذاب.
(٥) ما بين القوسين ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon