الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُحَمَّدًا مِنْ مَوَالِينَا وَأَرَاذِلِنَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْأَذَى.
﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ بِمَنْ صَبَرَ وَبِمَنْ جَزِعَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ" (١).

(١) أخرجه البخاري في الرقاق، باب لينظر إلى من هو أسفل منه: ١١ / ٣٢٢، ومسلم في الزهد برقم (٢٩٦٣) : ١٤ / ٢٩٢، والمصنف في شرح السنة ١٤ / ٢٩٢.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (٢٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ أَيْ: لَا يَخَافُونَ الْبَعْثَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: "الرَّجَاءُ" بِمَعْنَى الْخَوْفِ، لُغَةُ تِهَامَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا" (نُوحٍ-١٣)، أَيْ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ﴾ فَتُخْبِرُنَا أَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، ﴿أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ فَيُخْبِرُنَا بِذَلِكَ. ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا﴾ أَيْ: تَعَظَّمُوا. ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: "عَتَوْا" طَغَوْا فِي الْقَوْلِ وَ"الْعُتُّوُّ": أَشَدُّ الْكُفْرِ وَأَفْحَشُ الظُّلْمِ، وَعُتُوُّهُمْ طَلَبُهُمْ رُؤْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِهِ. ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ﴾ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ. ﴿لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ لِلْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ: لَا بُشْرَى لَكُمْ، هَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُشْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُجْرِمِينَ، أَيْ: لَا بِشَارَةَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، كَمَا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُونَ. ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ قُبُورِهِمْ قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حرامًا محرمًا ٤٥/ب عَلَيْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَكُمُ الْبُشْرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ رَأَوْا مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا حِجْرًا مَحْجُورًا، فَهُمْ يقولونه إذا عينوا الْمَلَائِكَةَ.


الصفحة التالية
Icon