بِحَيْثُ يَبْلُغُ اللَّحْمَ، وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ عَامًا (١) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ (٢).
﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ رَحْمَةٌ وَرِقَّةٌ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ "رَأَفَةٌ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ أَنَّهَا سَاكِنَةٌ لِمُجَاوِرَةِ قَوْلِهِ وَرَحْمَةً، وَالرَّأْفَةُ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ، لَا يُنْهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ.
رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَلَدَ جَارِيَةً لَهُ زَنَتْ، فَقَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ ظَهْرَهَا وَرِجْلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَأْمُرْنِي بِقَتْلِهَا وَقَدْ ضَرَبْتُ فَأَوْجَعْتُ (٣).
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فَتُعَطِّلُوا الْحُدُودَ وَلَا تُقِيمُوهَا، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَعْنَاهَا وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فَتُخَفِّفُوا الضَّرْبَ وَلَكِنْ أَوَجِعُوهُمَا ضَرْبًا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: يُجْتَهَدُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالْفِرْيَةِ وَيُخَفَّفُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُجْتَهَدُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَيُخَفَّفُ فِي الشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ.
﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَأْخُذُهُ الرَّأْفَةُ إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى.
﴿وَلْيَشْهَدْ﴾ وَلْيَحْضُرْ، ﴿عَذَابَهُمَا﴾ حَدَّهُمَا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا ﴿طَائِفَةٌ﴾ نَفَرٌ، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ: أَقَلُّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ: رَجُلَانِ فَصَاعِدًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ زَيْدٍ: أَرْبَعَةٌ بِعَدَدِ شُهُودِ الزِّنَا.
﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ، إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لايَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَحُكْمِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عَشَائِرَ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يُكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ، وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ

(١) أخرج البخاري في الشهادات، باب: شهادة القاذف والسارق والزاني: ٥ / ٢٥٥ عن زيد بن خالد رضي الله عنه، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مئة وتغريب عام".
(٢) أخرج البخاري في الشهادات، باب: شهادة القاذف والسارق والزاني: ٢ / ١٨١-١٨٣.
(٣) أخرجه الطبري: ١٨ / ٦٧ وانظر: الدر المنثور: ٦ / ١٢٥-١٢٦.


الصفحة التالية
Icon