عَلَيْهِ كَفِيلٌ تَحْفَظُهُ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَعِبَادَةِ مَنْ يَهْوَى مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ أَيْ: لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧) ﴾
﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ﴾ مَا تَقُولُ سَمَاعَ طَالِبِ الْإِفْهَامِ، ﴿أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ مَا يُعَايِنُونَ مِنَ الحجج والإعلام، ﴿إِنْهُمْ﴾ مَا هُمْ، ﴿إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ لِأَنَّ الْبَهَائِمَ تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا وَمَشَارِبِهَا وَتَنْقَادُ لِأَرْبَابِهَا الَّذِينَ يَتَعَهَّدُونَهَا، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ، وَلَا يُطِيعُونَ رَبَّهُمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ، وَلِأَنَّ الْأَنْعَامَ تَسْجُدُ وَتُسَبِّحُ لِلَّهِ وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَفْعَلُونَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ مَعْنَاهُ أَلَمْ تَرَ إِلَى مَدِّ رَبِّكَ الظِّلَّ، وَهُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، جَعَلَهُ مَمْدُودًا لِأَنَّهُ ظِلٌّ لَا شَمْسَ مَعَهُ، كَمَا قَالَ: "فِي ظِلِّ الْجَنَّةِ"، "وَظِلٍّ مَمْدُودٍ" (الْوَاقِعَةِ-٣٠) إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَمْسٌ. ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ دَائِمًا ثَابِتًا لَا يَزُولُ وَلَا تُذْهِبُهُ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "الظِّلُّ": مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ بِالْغَدَاةِ، وَ"الْفَيْءُ": مَا نَسَخَ الشَّمْسَ، وَهُوَ بَعْدُ الزَّوَالِ، سُمِّيَ فَيْئًا لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبٍ الْمَغْرِبِ، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ أَيْ: عَلَى الظِّلِّ. وَمَعْنَى دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ لَمَا عُرِفَ الظِّلُّ، وَلَوْلَا النُّورُ لَمَا عُرِفَتِ الظُّلْمَةُ، وَالْأَشْيَاءُ تُعَرَفُ بِأَضْدَادِهَا. ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ يَعْنِي الظِّلَّ، ﴿إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ بِالشَّمْسِ الَّتِي تَأْتِي عَلَيْهِ، وَ"الْقَبْضُ": جَمْعُ الْمُنْبَسِطِ مِنَ الشَّيْءِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ الظِّلَّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْضِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَبَضَ اللَّهُ الظِّلَّ جُزْءًا فَجُزْءًا "قَبْضًا يَسِيرًا"، أَيْ: خَفِيًّا. ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ أَيْ: سِتْرًا تَسْتَتِرُونَ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ ظُلْمَتَهُ تَغْشَى كُلَّ شَيْءٍ، كَاللِّبَاسِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى لَابِسِهُ، ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ وَقَطْعًا لِعَمَلِكُمْ، وَأَصْلُ "السَّبْتِ": الْقَطْعُ، وَالنَّائِمُ مَسْبُوتٌ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ. ﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ أَيْ: يَقِظَةً وَزَمَانًا، تَنْتَشِرُونَ فِيهِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ، وَتَنْتَشِرُونَ لِأَشْغَالِكُمْ.