كَانَ يَدْعُو اللَّهَ إِلَى كَشْفِهِ، ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَانَ، ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ لِيَزِلَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ.
﴿قُلْ﴾ لِهَذَا الْكَافِرِ: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَجَلِكَ، ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: [نَزَلَتْ] (١) فِي أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرٍ (٢).
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩) ﴾
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَمْزَةُ: "أَمَنْ" بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا، فَمَنْ شَدَّدَ فَلَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ فِي "أَمْ" صِلَةً، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ اسْتِفْهَامًا وَجَوَابُهُ مَحْذُوفًا مَجَازُهُ: أَمَّنَ هُوَ قَانِتٌ كَمَنْ هُوَ غَيْرُ قَانِتٍ؟ كَقَوْلِهِ: "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ" (الزُّمَرِ-٢٢) يَعْنِي كَمَنْ لَمْ يَشْرَحْ صَدْرَهُ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّهُ عَطَفَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، مَجَازُهُ: الَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا خَيْرٌ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ؟ وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى مَنْ، مَعْنَاهُ: أَهَذَا كَالَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا؟
وَقِيلَ: الْأَلِفُ فِي "أَمَنْ" بِمَعْنَى حَرْفِ النِّدَاءِ، تَقْدِيرُهُ: يَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ، وَالْعَرَبُ تُنَادِي بِالْأَلِفِ كَمَا تُنَادِي بِالْيَاءِ، فَتَقُولُ: أَبَنِي فَلَانٍ وَيَا بَنِي فُلَانٍ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، يَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ (٣).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٤).

(١) ساقط من "ب".
(٢) انظر: زاد المسير: ٧ / ١٦٥.
(٣) ذكره الواحدي في أسباب النزول، ص ٤٢٦.
(٤) انظر: البحر المحيط: ٧ / ٤١٩.


الصفحة التالية
Icon