﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ فَزَعْمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا، ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾ بِالْقُرْآنِ، ﴿إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ مَنْزِلٌ وَمَقَامٌ، ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ.
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ ١٠٦/ب قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ" يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "وَصَدَّقَ بِهِ" الرَّسُولُ أَيْضًا بَلَّغَهُ إِلَى الْخَلْقِ. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ" جِبْرِيلُ جَاءَ بِالْقُرْآنِ، "وَصَدَّقَ بِهِ" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَصَدَّقَ بِهِ" أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَصَدَّقَ بِهِ" هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ وَقَالَ عَطَاءٌ: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ" الْأَنْبِيَاءُ "وَصَدَّقَ بِهِ" الْأَتْبَاعُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الَّذِي بِمَعْنَى: الَّذِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا" (الْبَقَرَةِ-١٧) ثُمَّ قَالَ: "ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ" (الْبَقَرَةِ-١٧) وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ صَدَّقُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَجَاءُوا بِهِ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَالَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ. ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ يَسْتُرُهَا عَلَيْهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ، ﴿وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: يَجْزِيهِمْ بِالْمَحَاسِنِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَا يَجْزِيهِمْ بِالْمَسَاوِئِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ ؟ يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "عِبَادَهُ" بِالْجَمْعِ يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَصَدَهُمْ قَوْمُهُمْ بِالسُّوءِ كَمَا قَالَ: "وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ" (غَافِرٍ-٥) فَكَفَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ مَنْ عَادَاهُمْ، ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَرَّةَ الْأَوْثَانِ. وَقَالُوا: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا أَوْ لَيُصِيبَنَّكَ مِنْهُمْ خَبَلٌ أَوْ جُنُونٌ ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.