﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) ﴾
﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) ﴾
﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ يَعْنِي: لِئَلَّا تَقُولَ نَفْسٌ، كَقَوْلِهِ: "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" (النَّحْلِ-١٥) أَيْ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَيْ بَادِرُوا وَاحْذَرُوا أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: خَوْفَ أَنْ تَصِيرُوا إِلَى حَالٍ تَقُولُونَ هَذَا القول، ﴿يَا حَسْرَتَا﴾ يَا نَدَامَتَا، وَالتَّحَسُّرُ الِاغْتِمَامُ عَلَى مَا فَاتَ، وَأَرَادَ: يَا حَسْرَتِي، عَلَى الْإِضَافَةِ، لَكِنَّ الْعَرَبَ تُحَوِّلُ يَاءَ الْكِنَايَةِ أَلِفًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ، فَتَقُولُ: يَا حَسْرَتَا (١) وَيَا نَدَامَتَا، وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْيَاءَ بَعْدَ الْأَلِفِ لِيَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ﴿يَا حَسْرَتَايَ﴾، وَقِيلَ: مَعْنَى قوله: "يا حسرتا" يَا أَيَّتُهَا الْحَسْرَةُ هَذَا وَقْتُكَ، ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: قَصَّرْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فِي حَقِّ اللَّهِ. وَقِيلَ: ضَيَّعْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَصَّرْتُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجَنْبَ جَانِبًا ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِدِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَةَ اللَّهِ حَتَّى جَعَلَ يَسْخَرُ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ.
﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ﴾ عَيَانًا، ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً﴾ رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الْمُوَحِّدِينَ.
ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، ﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾ وَقُلْتَ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ، ﴿وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ تَكَبَّرْتَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ﴾ فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا، ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عَنِ الْإِيمَانِ.
﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ: "بِمَفَازَاتِهِمْ" بِالْأَلِفِ عَلَى

(١) في "ب": يا ويلتي.


الصفحة التالية
Icon