قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ" قَالُوا: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قال: "أبيت"، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: "أبيت"، قالوا: أربعون سنة؟ قَالَ: "أَبَيْتُ"، قَالَ: "ثُمَّ يَنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يَتَرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١).
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ﴾ أَضَاءَتْ، ﴿بِنُورِ رَبِّهَا﴾ بِنُورِ خَالِقِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَتَجَلَّى الرَّبُّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ، فَمَا يَتَضَارُّونَ فِي نُورِهِ كَمَا لَا يَتَضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الصَّحْوِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: بِعَدْلِ رَبِّهَا، وَأَرَادَ بِالْأَرْضِ عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ أَيْ: كِتَابُ الْأَعْمَالِ، ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي الْحَفَظَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ" (ق-٢١) ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ: بِالْعَدْلِ، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ أَيْ: لَا يُزَادُ فِي سَيِّئَاتِهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ.
﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ أَيْ: ثَوَابَ مَا عَمِلَتْ، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ أَنِّي عَالِمٌ بِأَفْعَالِهِمْ لَا أَحْتَاجُ إِلَى كَاتِبٍ وَلَا إِلَى شَاهِدٍ.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ﴾ سَوْقًا عَنِيفًا، ﴿زُمُرًا﴾ أَفْوَاجًا بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: "زُمُرًا" أَيْ: جَمَاعَاتٍ فِي تَفْرِقَةٍ، وَاحِدَتُهَا زُمْرَةٌ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ السَّبْعَةُ وَكَانَتْ مُغْلَقَةً قَبْلَ ذَلِكَ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ "فُتِحَتْ، وَفُتِحَتْ" بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا لَهُمْ، ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ﴾ وَجَبَتْ، ﴿كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (هُودٍ-١١٩)

(١) أخرجه البخاري في التفسير -تفسير سورة الزمر- باب: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض": ٨ / ٥٥١، ومسلم في الفتن، باب: ما بين النفختين. برقم (٢٩٥٥) ٤ / ٢٢٧٠-٢٢٧١، والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon