أَشْبَهَهُمَا ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الْحَبِّ.
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) ﴾
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ﴾ بَسَاتِينَ، ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا﴾ فِي الْأَرْضِ، ﴿مِنَ الْعُيُونِ﴾.
﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ أَيْ: مِنَ الثَّمَرِ الْحَاصِلِ بِالْمَاءِ ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: "عَمِلَتْ" بِغَيْرِ هَاءٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "عَمِلَتْهُ" بِالْهَاءِ أَيْ: يَأْكُلُونَ مِنَ الَّذِي عَمِلَتْهُ ﴿أَيْدِيهِمْ﴾ الزَّرْعَ وَالْغَرْسَ فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى "مَا" الَّتِي بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: "مَا" لِلنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ "مَا عَمِلَتْهُ" أَيْ: وَجَدُوهَا مَعْمُولَةً وَلَمْ تَعْمَلْهَا أَيْدِيهِمْ وَلَا صُنْعَ لَهُمْ فِيهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ.
وَقِيلَ: أَرَادَ الْعُيُونَ وَالْأَنْهَارَ الَّتِي لَمْ تَعْمَلْهَا يَدُ خَلْقٍ مِثْلَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنِّيلِ وَنَحْوِهَا.
﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ نِعْمَةَ اللَّهِ.
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ أَيِ: الْأَصْنَافَ ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ الثِّمَارَ وَالْحُبُوبَ ﴿وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ يَعْنِي: الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ﴾ تَدَلُّ عَلَى قُدْرَتِنَا، ﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ﴾ نَنْزِعُ وَنَكْشِطُ ﴿مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ دَاخِلُونَ فِي الظُّلْمَةِ، وَمَعْنَاهُ: نُذْهِبُ النَّهَارَ وَنَجِيءُ بِاللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ هِيَ الظلمة والنهار ٩٢/ب دَاخِلٌ عَلَيْهَا ُ فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ سُلِخَ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَظْهَرُ الظُّلْمَةُ.
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ أَيْ: إِلَى مُسْتَقَرٍّ لَهَا، أَيْ: إِلَى انْتِهَاءِ سَيْرِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَامِ السَّاعَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا تَسِيرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى أَبْعَدِ مَغَارِبِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ فَذَلِكَ مُسْتَقَرُّهَا لِأَنَّهَا لَا تُجَاوِزُهُ.
وَقِيلَ: مُسْتَقَرُّهَا نِهَايَةُ ارْتِفَاعِهَا فِي السَّمَاءِ فِي الصَّيْفِ وَنِهَايَةُ هُبُوطِهَا فِي الشِّتَاءِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ".