الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بَسْطَامٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَنْظُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةَ مَاءٍ". (١)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ [مُجَالِدِ] (٢) بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ ابن شَدَّادٍ أَخِي بَنِي فِهْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا"؟ قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا". (٣)
﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ أَيْ يُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَخَفْ عِقَابَهُ، وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ، يُقَالُ: عَشَوْتُ إِلَى النَّارِ أَعُشْو عَشْوًا، إِذَا قَصَدْتُهَا مُهْتَدِيًا بِهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا: أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا يَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ، وَعَدَلْتُ عَنْهُ، وَمِلْتُ إِلَيْهِ، وَمِلْتُ عَنْهُ. قَالَ الْقُرَظِيُّ (٤) : يُوَلِّي ظَهْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: يَظْلِمُ بِصَرْفِ بَصَرِهِ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: أَصْلُ الْعَشْوِ النَّظَرُ بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَمَنْ يَعْشَ" بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ يَعْمَ، يُقَالُ عَشَى يَعْشَى عَشًا إِذَا عَمِيَ فَهُوَ أَعْشَى، وَامْرَأَةٌ عَشْوَاءُ. ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ قَرَأَ يَعْقُوبُ: "يُقَيِّضْ" بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، نُسَبِّبُ لَهُ شَيْطَانًا وَنَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَنُسَلِّطُهُ عَلَيْهِ. ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ لَا يُفَارِقُهُ، يُزَيِّنُ لَهُ الْعَمَى وَيُخَيِّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى الْهُدَى.
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الشَّيَاطِينَ، ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ أَيْ لَيَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْهُدَى وَجَمَعَ

(١) أخرجه الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله: ٦ / ٦١١ وقال: "هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه"، وابن ماجه في الزهد، باب: مثل الدنيا برقم: (٤١١٠) : ٢ / ١٣٧٧، وأبو نعيم في الحلية: ٣ / ٢٥٣ من رواية أبي هريرة وقال: رواه البزار، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢٢٩. قال الهيثمي في المجمع: ١٠ / ٢٨٨: "وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ثقة لكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات". وصححه المناوي في فيض القدير: ٥ / ٣٢٨، وذكره الألباني في الصحيحة رقم: (٦٨٦) وقال: "روى من حديث سهل بن سعد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجماعة من الصحابة، والحسن وعمرو بن مرة مرسلا، ثم ساق الروايات وقال: وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والله أعلم".
(٢) في "أ" خالد، وما أثبتناه هو الصواب.
(٣) أخرجه الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل: ٦ / ٦١١-٦١٢ وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه في الزهد، باب: مثل الدنيا برقم: (٤١١١) ٢ / ١٣٧٧، والإمام أحمد: ٤ / ٢٢٩، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢٢٧-٢٢٨.
(٤) في المخطوطتين "القرطبي" والصحيح "القرظي" كما ذكره القرطبي: ١٦ / ٩٠.


الصفحة التالية
Icon