يَا أَيُّهَا الَّذِي غَلَبَنَا بِسِحْرِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: خَاطَبُوهُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالسَّاحِرِ. ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ أَيْ بِمَا أَخْبَرْتَنَا مِنْ عَهْدِهِ إِلَيْكَ إِنْ آمَنَّا كَشَفَ عَنَّا الْعَذَابَ فَاسْأَلْهُ يَكْشِفُ عَنَّا الْعَذَابَ، ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ مُؤْمِنُونَ، فَدَعَا مُوسَى فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٤) ﴾
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ وَيُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ﴾ أَنْهَارُ النِّيلِ، ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ مِنْ تَحْتِ قُصُورِي، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَجْرِي بَيْنَ يَدِي فِي جِنَانِي وَبَسَاتِينِي. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِأَمْرِي. ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ عَظَمَتِي وَشِدَّةَ مُلْكِي.
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ بَلْ أَنَا خَيْرٌ، "أَمْ" بِمَعْنَى "بَلْ"، وَلَيْسَ بِحَرْفِ عَطْفٍ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: "أَمْ"، وَفِيهِ إِضْمَارٌ، مَجَازُهُ: أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ [تُبْصِرُونَ] (١)، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ، ﴿مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ ضَعِيفٌ حَقِيرٌ يَعْنِي مُوسَى، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ يُفْصِحُ بِكَلَامِهِ لِلُثْغَتِهِ الَّتِي فِي لِسَانِهِ.
﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ﴾ إِنْ كَانَ صَادِقًا، ﴿أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ﴾ قَرَأَ حَفْصٌ وَيَعْقُوبُ "أَسْوِرَةٌ" جَمَعَ سِوَارٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "أَسَاوِرَةٌ" عَلَى جَمْعِ الْأَسْوِرَةِ، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا إِذَا سَوَّدُوا رَجُلًا سَوَّرُوهُ بِسِوَارٍ وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ يَكُونُ ذَلِكَ دَلَالَةً لِسِيَادَتِهِ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: هَلَّا أَلْقَى رَبُّ مُوسَى عَلَيْهِ أَسْوِرَةً مِنْ ذَهَبٍ إِنْ كَانَ سَيِّدًا تَجِبُ عَلَيْنَا طَاعَتُهُ. ﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ مُتَتَابِعِينَ يُقَارِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشْهَدُونَ لَهُ بِصِدْقِهِ وَيُعِينُونَهُ عَلَى أَمْرِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ﴾ أَيِ اسْتَخَفَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ الْقِبْطَ، أَيْ وَجَدَهُمْ جُهَّالًا. وَقِيلَ: حَمَلَهُمْ عَلَى الْخِفَّةِ وَالْجَهْلِ. يُقَالُ: اسْتَخَفَّهُ عَنْ رَأْيِهِ، إِذَا حَمَلَهُ عَلَى الْجَهْلِ وَأَزَالَهُ عَنِ الصَّوَابِ،

(١) ساقط من "ب".


الصفحة التالية
Icon