﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥) ﴾
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ﴾ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ إِبْدَاعِهِنَّ، ﴿بِقَادِرٍ﴾ هَكَذَا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ دُخُولِ الْبَاءِ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ: "تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ".
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تُدْخِلُ الْبَاءَ فِي الِاسْتِفْهَامِ مَعَ الْجَحْدِ، فَتَقُولُ: مَا أَظُنُّكَ بِقَائِمٍ.
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: "يَقْدِرُ" بِالْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ لِأَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَادِرٌ بِغَيْرِ بَاءٍ.
﴿عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾ فَيُقَالُ لَهُمْ، ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ﴾ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَوُو الحزم. وقال ١٢٦/أالضَّحَّاكُ: ذَوُو الْجِدِّ وَالصَّبْرِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كُلُّ الرُّسُلِ كَانُوا أُولِي عَزْمٍ، لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا كَانَ ذَا عَزْمٍ وَحَزْمٍ، وَرَأْيٍ وَكَمَالِ عَقْلٍ، وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ "مِنْ" لِلتَّجْنِيسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، كَمَا يُقَالُ: اشْتَرَيْتُ أَكْسِيَةً مِنَ الْخَزِّ وَأَرْدِيَةً مِنَ الْبَزِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ أُولُو عَزْمٍ إِلَّا يُونُسَ بْنَ مَتَّى، لِعَجَلَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ"؟.
وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ نُجَبَاءُ الرُّسُلِ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِمْ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ" (الْأَنْعَامِ-٩٠).
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ وَأَظْهَرُوا الْمُكَاشَفَةَ مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ.