﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) ﴾
﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَنَسْلِهَا ﴿وَمَشَارِبُ﴾ مِنْ أَلْبَانِهَا ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ رَبَّ (١) هَذِهِ النِّعَمِ.
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يَعْنِي: لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَطُّ.
﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ ٩٤/أقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَقْدِرُ الْأَصْنَامُ عَلَى نَصْرِهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ. ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ أَيْ: الْكُفَّارُ جُنْدٌ لِلْأَصْنَامِ يَغْضَبُونَ لَهَا وَيُحْضِرُونَهَا فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَا تَسُوقُ إِلَيْهِمْ خَيْرًا، وَلَا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ نَصْرًا. وَقِيلَ: هَذَا فِي الْآخِرَةِ، يُؤْتَى بِكُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ الَّذِينَ عَبَدُوهُ كَأَنَّهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فِي النَّارِ.
﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ يَعْنِي: قَوْلَ كُفَّارِ مَكَّةَ فِي تَكْذِيبِكَ ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أَوْ مَا يُعْلِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْأَذَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ ﴿مُبِينٌ﴾ بَيِّنُ الْخُصُومَةِ، يَعْنِي: أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يُخَاصِمُ فَكَيْفَ لَا يَتَفَكَّرُ فِي بَدْءِ خَلْقِهِ حَتَّى يَدَعَ الْخُصُومَةَ.
نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ خَاصَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَأَتَاهُ بِعَظْمٍ قَدْ بَلِيَ فَفَتَّتَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: أَتُرَى يُحْيِي الله هذا بعد ما رَمَّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ (٢).

(١) ساقطة من "ب".
(٢) أخرجه الطبري: ٢٣ / ٣٠، والواحدي في أسباب النزول ص (٤٢٣). وأخرج الحاكم: ٢ / ٤٢٩ وابن أبي الحاتم أن الآية نزلت في العاص بن وائل. وقد ذكر الحافظ ابن كثير الروايتين: ٣ / ٥٨٢ ثم قال: "وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآية قد نزلت في أبي بن خلف أو العاص بن وائل أو فيهما، فهي عامة في كل من أنكر البعث، والألف واللام في قوله تعالى: (أولم ير الإنسان) للجنس يعم كل منكر للبعث".


الصفحة التالية
Icon