﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ﴾
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ فَلَعَلَّكُمْ، ﴿إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْقُرْآنِ وَفَارَقْتُمْ أَحْكَامَهُ، ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ تَعُودُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْبَغْيِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى الْفُرْقَةِ بَعْدَ مَا جَمَعَكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ. ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ قَرَأَ يَعْقُوبُ: "وَتَقْطَعُوا" بِفَتْحِ التَّاءِ خَفِيفٌ، والآخرون بالتشديد و"تقطعوا" مِنَ التَّقْطِيعِ، عَلَى التَّكْثِيرِ، لِأَجْلِ الْأَرْحَامِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَيْفَ رَأَيْتُمُ الْقَوْمَ حِينَ تَوَلَّوْا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ أَلَمْ يَسْفِكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَقَطَّعُوا الْأَرْحَامَ، وَعَصَوُا الرَّحْمَنَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الْوِلَايَةِ. وَقَالَ الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ وَالْفَرَّاءُ: يَقُولُ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنَّ وُلِّيتُمْ أَمْرَ النَّاسِ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ، نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمِّيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ (١)، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ "تُوُلِّيتُمْ" بِضَمِّ التَّاءِ وَالْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ، يَقُولُ: إِنْ وَلَّيْتُكُمْ وُلَاةً جَائِرَةً خَرَجْتُمْ مَعَهُمْ فِي الْفِتْنَةِ وَعَاوَنْتُمُوهُمْ.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ عَنِ الْحَقِّ.
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ فَلَا تَفْهَمُ مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَأَحْكَامَهُ، وَ"أَمْ" بِمَعْنَى "بَلْ".
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّرِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنْبَأَنِي عَقِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" فَقَالَ شَابٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: بَلْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ يَفْتَحُهَا أَوْ يُفَرِّجُهَا، فَمَا زَالَ الشَّابُّ فِي نَفْسِ عُمَرَ حَتَّى وَلِيَ فَاسْتَعَانَ بِهِ. (٢)
﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ﴾ رَجَعُوا كُفَّارًا، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ الكتاب كفروا ١٢٨/أبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا عَرَفُوهُ وَوَجَدُوا نَعْتَهُ فِي كِتَابِهِمْ.
(٢) أخرجه الطبري: ٢٦ / ٥٧.