﴿عَلَى الْأُخْرَى﴾ وَأَبَتِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ، ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ﴾ تَرْجِعَ، ﴿إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ فِي كِتَابِهِ، ﴿فَإِنْ فَاءَتْ﴾ رَجَعَتْ إِلَى الْحَقِّ، ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ بِحَمْلِهِمَا عَلَى الْإِنْصَافِ وَالرِّضَا بِحُكْمِ اللَّهِ، ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ اعْدِلُوا، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) ﴾
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إِذَا اخْتَلَفَا وَاقْتَتَلَا قَرَأَ يَعْقُوبُ "بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ" بِالتَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فَلَا تَعْصُوهُ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ] (١)، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُخْلِدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَشْتُمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٢).
وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ لَا يُزِيلُ اسْمَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمْ إِخْوَةً مُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ بَاغِينَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ-وَهُوَ الْقُدْوَةُ-فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، عَنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ: أَمُشْرَكُونَ هُمْ؟ فَقَالَ: لَا مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا، فَقِيلَ: أَمُنَافِقُونَ هُمْ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا قِيلَ: فَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا (٣).
وَالْبَاغِي فِي الشَّرْعِ هُوَ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ فَامْتَنَعُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَنَصَّبُوا إِمَامًا فَالْحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ وَيَدْعُوَهُمْ
(٢) أخرجه البخاري في المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه: ٥ / ٩٧، ومسلم في البر والصلة باب تحريم الظلم برقم: (٢٥٨٠) : ٤ / ١٩٩٦، والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٩٨.
(٣) أخرج محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة": ٢ / ٥٤٣-٥٤٤، آثارًا ثلاثة عن علي رضي الله عنه، رواها عنه: طارق بن شهاب، وأبو وائل، وحكيم بن جابر. وانظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ٥ / ٢٤٢-٢٤٨، تفسير القرطبي: ١٦ / ٣٢٣-٣٢٤.