"يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ" (سَبَأٍ-١٠) وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُصَلِّي. ﴿حَفِيظٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَافِظُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ ذُنُوبَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهَا وَيَسْتَغْفِرَ مِنْهَا. قَالَ قَتَادَةُ حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: الْحَافِظُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُتَعَهِّدُ لَهَا. قَالَ الشَّعْبِيُّ: الْمُرَاقِبُ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْمُحَافِظُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْأَوَامِرِ.
﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥) ﴾
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) ﴾
﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ مَحَلُّ "مَنْ" جَرٌّ (١) عَلَى نَعْتِ الْأَوَّابِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ خَافَ الرَّحْمَنَ وَأَطَاعَهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي فِي الْخَلْوَةِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَرْخَى السِّتْرَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ. ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ مُخْلِصٍ مُقْبِلٍ إِلَى طَاعَةَ اللَّهِ.
﴿ادْخُلُوهَا﴾ [أَيْ: يُقَالُ لِأَهْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: ادْخُلُوهَا] (٢) أَيِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴿بِسَلَامٍ﴾ بِسَلَامَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَالْهُمُومِ. وَقِيلَ بِسَلَامٍ مِنَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: بِسَلَامَةٍ مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ، ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾.
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا﴾، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَنْتَهِيَ مَسْأَلَتُهُمْ فيعطون ما شاؤوا، ثُمَّ يَزِيدُهُمُ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ مَا لَمْ يَسْأَلُوهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾، يَعْنِي الزِّيَادَةَ لَهُمْ فِي النَّعِيمِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ. وَقَالَ جَابِرٌ وَأَنَسٌ: هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ﴾، ضَرَبُوا وَسَارُوا وَتَقَلَّبُوا وَطَافُوا، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّقْبِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ كَأَنَّهُمْ سَلَكُوا كُلَّ طَرِيقٍ، ﴿هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ فَلَمْ يَجِدُوا مَحِيصًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: "هَلْ مِنْ مَحِيصٍ" مَفَرٍّ مِنَ الْمَوْتِ؟ فَلَمْ يَجِدُوا [مِنْهُ مَفَرًّا، وَهَذَا إِنْذَارٌ] (٣) لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ سَبِيلِهِمْ لَا يَجِدُونَ مَفَرًّا عَنِ الْمَوْتِ يَمُوتُونَ، فَيَصِيرُونَ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، فِيمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعِبَرِ وَإِهْلَاكِ الْقُرَى، ﴿لَذِكْرَى﴾، تَذْكِرَةً وَعِظَةً، ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾
(٢) ما بين القوسين زيادة من "ب".
(٣) في "أ": فيه إنذارا.