﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٨) ﴾
﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْمُوقَدَ الْمُحْمَى بِمَنْزِلَةِ التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ الْبِحَارَ كُلَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا فَيُزَادُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ"، (التَّكْوِيرِ-٦) وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْكَبَنَّ رَجُلٌ بَحْرًا إِلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا" (١).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: "الْمَسْجُورُ": الْمَمْلُوءُ، يُقَالُ: سَجَّرْتُ الْإِنَاءَ إِذَا مَلَأْتُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هُوَ الْيَابِسُ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ مَاؤُهُ وَنَضَبَ
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْمَالِحِ.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: هُوَ بَحْرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، غَمْرُهُ (٢) كَمَا بَيْنَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ إِلَى سَبْعِ أَرْضِينَ، فِيهِ مَاءٌ غَلِيظٌ يُقَالُ لَهُ: بَحْرُ الْحَيَوَانِ. يُمْطِرُ الْعِبَادَ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى مِنْهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورِهِمْ (٣). هَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ نَازِلٌ كَائِنٌ.
﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ مَانِعٍ (٤) قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لِأُكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ، وَصَوْتُهُ يَخْرُجُ من المسجد ١٤١/أفَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ "وَالطُّورِ" إِلَى قَوْلِهِ "إِنَّ عَذَابَ ربك لواقع ماله مِنْ دَافِعٍ"، فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَقُومُ مِنْ مَكَانِي حَتَّى يَقَعَ بِيَ الْعَذَابُ (٥).

(١) أخرجه أبو داود في الجهاد، باب في ركوب البحر: ٣ / ٣٥٩ عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو. وقال: "وفي هذا الحديث اضطراب، روي عن بشير هكذا، وروي عنه: أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، وروي عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو وقيل غير ذلك وذكره البخاري في تاريخه وذكر له هذا الحديث، وذكر اضطرابه وقال: لم يصح حديثه". وقال الخطابي: "وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث". وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رقم (٤٧٨).
(٢) ساقط من "أ".
(٣) أخرجه الطبري: ٢٧ / ٢٠، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ٦٢٩ لابن أبي حاتم وعبد الرزاق وسعيد بن منصور.
(٤) زيادة من "ب".
(٥) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة الطور: ٨ / ٦٠٣.


الصفحة التالية
Icon