﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) ﴾
﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ أَيْ: بِمَرْأًى مِنَّا. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحِفْظِنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْمُوَدَّعِ: عَيْنُ اللَّهِ عَلَيْكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: بِأَمْرِنَا ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ] : يَعْنِي: فِعْلَنَا بِهِ وَبِهِمْ مِنْ إِنْجَاءِ نُوحٍ وَإِغْرَاقِ قَوْمِهِ ثَوَابًا لِمَنْ كَانَ كُفِرَ بِهِ وَجُحِدَ أَمْرُهُ، وَهُوَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ: "مَنْ" بِمَعْنَى مَا أَيْ: جَزَاءً لِمَا كَانَ كُفِرَ مِنْ أَيَادِي اللَّهِ وَنِعَمِهِ عِنْدَ الَّذِينَ أَغْرَقَهُمْ، أَوْ جَزَاءً لِمَا [صُنْعَ] بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: "جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ" بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ، يَعْنِي كَانَ الْغَرَقُ جَزَاءً / لِمَنْ كَانَ كَفَرَ بِاللَّهِ وكذب رسوله.
١٤٦/أ ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا﴾ يَعْنِي: [الْفِعْلَةَ الَّتِي] فَعَلْنَا ﴿آيَةً﴾ يُعْتَبَرُ بِهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ السَّفِينَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَاهَا اللَّهُ [بِبَاقِرِ دِي] مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ. عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أَيْ: مُتَذَكِّرٍ مُتَّعِظٍ مُعْتَبِرٍ خَائِفٍ مِثْلَ عُقُوبَتِهِمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا سَأَلَ الْأَسْوَدَ عَنْ قَوْلِهِ: "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" أَوْ مُذَكِّرٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَؤُهَا "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"، وَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا: "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" دَالًّا.
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أَيْ: إِنْذَارِي. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِنْذَارُ وَالنُّذُرُ مَصْدَرَانِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنْذَرْتُ إِنْذَارًا وَنُذُرًا، كَقَوْلِهِمْ أَنْفَقْتُ إِنْفَاقًا وَنَفَقَةً، وَأَيْقَنْتُ إِيقَانًا وَيَقِينًا، أُقِيمَ الِاسْمُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ.
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا﴾ سَهَّلْنَا ﴿الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ لِيُتَذَكَّرَ وَيُعْتَبَرَ بِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَسَّرْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ يُقْرَأُ كُلُّهُ ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآنَ "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"، مُتَّعِظٍ بِمَوَاعِظِهِ.