وَقِيلَ: سَأَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَمًا عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ حَيْثُ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَرَدَّ إِلَيْهِ مُلْكَهُ، وَزَادَ فِيهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ مُلْكًا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِ: "لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" تَسْخِيرَ الرِّيَاحِ وَالطَّيْرِ وَالشَّيَاطِينِ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ "رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا" (١).
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ لَيِّنَةً لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ، ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [حَيْثُ أَرَادَ] (٢) تَقُولُ الْعَرَبُ: أَصَابَ الصَّوَابَ [فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ، تُرِيدُ أَرَادَ الصَّوَابَ] (٣).
﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ أَيْ: وَسَخَّرَنَا لَهُ الشَّيَاطِينَ، ﴿كُلَّ بَنَّاءٍ﴾ يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ، ﴿وَغَوَّاصٍ﴾ يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ اللَّآلِئَ مِنَ الْبَحْرِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَخْرَجَ اللُّؤْلُؤَ مِنَ الْبَحْرِ.
﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ مَشْدُودِينَ فِي الْقُيُودِ، أَيْ: وَسَخَّرْنَا لَهُ آخَرِينَ، يَعْنِي: مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ، سُخِّرُوا لَهُ حَتَّى قَرَّنَهُمْ فِي الْأَصْفَادِ.
﴿هَذَا عَطَاؤُنَا﴾ [أَيْ قُلْنَا لَهُ هَذَا عَطَاؤُنَا] (٤) ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الْمَنُّ: هُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَثْنِيهِ، مَعْنَاهُ: أَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَأَمْسِكْ عَمَّنْ شِئْتَ، بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ نِعْمَةً إِلَّا عَلَيْهِ تَبِعَةٌ، إِلَّا سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ أَعْطَى أُجَرُ، وَإِنْ
(٢) ساقط من "ب".
(٣) زيادة من "ب".
(٤) ساقط من "ب".