"وَغَسَّاقٌ": قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: "وَغَسَّاقٌ" (١) حَيْثُ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ، وَخَفَّفَهَا الْآخَرُونَ، فَمَنْ شَدَّدَ جَعَلَهُ اسْمًا عَلَى فَعَّالٍ، نَحْوَ: الْخَبَّازِ وَالطَّبَّاخِ، وَمَنْ خَفَّفَ جَعَلَهُ اسْمًا عَلَى فَعَالٍ نَحْوَ الْعَذَابِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْغَسَّاقِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يَحْرُقُهُمْ بِبَرْدِهِ، كَمَا تَحْرُقُهُمُ النَّارُ بَحَرِّهَا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي انْتَهَى بَرْدُهُ.
وَقِيلَ: هُوَ الْمُنْتِنُ بِلُغَةِ التُّرْكِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يَغْسِقُ أَيْ: مَا يَسِيلُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ، وَلُحُومِهِمْ، وَفُرُوجِ الزُّنَاةِ، مِنْ قَوْلِهِ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ إِذَا انْصَبَّتْ، وَالْغَسَقَانُ الِانْصِبَابُ.
﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (٥٩) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (٦٠) ﴾
﴿وَآخَرُ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: "وَأُخَرُ" بِضَمِّ الْأَلِفِ عَلَى جَمْعِ أُخْرَى، مِثْلَ: الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَنَّهُ نَعَتَهُ بِالْجَمْعِ، فَقَالَ: أَزْوَاجٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُشْبَعَةً عَلَى الْوَاحِدِ، ﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ مِثْلِهِ أَيْ: مِثْلُ الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ، ﴿أَزْوَاجٌ﴾ أَيْ: أَصْنَافٌ أُخَرُ مِنَ الْعَذَابِ.
﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هَذَا" هُوَ أَنَّ الْقَادَةَ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمُ الْأَتْبَاعُ قَالَتِ الْخَزَنَةُ لِلْقَادَةِ (٢) هَذَا يَعْنِي: الْأَتْبَاعُ، فَوْجٌ: جَمَاعَةٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمُ النَّارَ، أَيْ: دَاخِلُوهَا كَمَا أَنْتُمْ دَخَلْتُمُوهَا: وَالْفَوْجُ: الْقَطِيعُ مِنَ النَّاسِ وَجَمْعُهُ أَفْوَاجٌ، وَالِاقْتِحَامُ الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ رَمْيًا بِنَفْسِهِ فِيهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُمْ يُضْرَبُونَ بِالْمَقَامِعِ حَتَّى يُوقِعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي النَّارِ، خَوْفًا مِنْ تِلْكَ الْمَقَامِعِ، فَقَالَتِ الْقَادَةُ: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ يَعْنِي: بِالْأَتْبَاعِ، ﴿إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ﴾ أَيْ: دَاخِلُوهَا كَمَا صَلَيْنَا.
﴿قَالُوا﴾ فَقَالَ الْأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ وَالْمَرْحَبُ، وَالرَّحْبُ: السَّعَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا وَسَهْلًا أَيْ: أَتَيْتَ رَحْبًا وَسِعَةً، وَتَقُولُ: لَا مَرْحَبًا بِكَ، أَيْ: لَا رَحُبَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ. ﴿أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا﴾ يَقُولُ الْأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ: أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ بِالْكُفْرِ قَبْلَنَا، وَشَرَعْتُمْ وَسَنَنْتُمُوهُ لَنَا. وَقِيلَ: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمْ هَذَا الْعَذَابَ لَنَا، بِدُعَائِكُمْ إِيَّانَا إِلَى الْكُفْرِ، ﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ أَيْ: فَبِئْسَ دَارُ الْقَرَارِ جَهَنَّمُ (٣).
(٢) في "ب" للكفار.
(٣) زيادة من "ب".