الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ سِمَاكِ [بْنِ زُمَيْلٍ] (١) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ -وَأَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى -بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنَّ اللَّهَ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ". "وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ" (٢).
قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ أَيْ تَتَظَاهَرَا وَتَتَعَاوَنَا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ، وَالْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ أَيْ وَلِيُّهُ وَنَاصِرُهُ: ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٣) قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمُ الْمُخْلِصُونَ الَّذِي لَيْسُوا بِمُنَافِقِينَ. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: بَعْدَ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ "وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ" أَيْ: أَعْوَانٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي يُؤَدِّي عَنِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: "وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" (النَّسِاءِ-٦٩).
﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥) ﴾
﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ أَيْ: وَاجِبٌ مِنَ اللَّهِ إِنْ طَلَّقَكُنَّ رَسُولُهُ ﴿أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ﴾ خَاضِعَاتٍ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾ مُصَدِّقَاتٍ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ ﴿قَانِتَاتٍ﴾ طَائِعَاتٍ، وَقِيلَ: دَاعِيَاتٍ. وَقِيلَ: مُصَلِّيَاتٍ ﴿تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ﴾ صَائِمَاتٍ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مُهَاجِرَاتٍ وَقِيلَ: يَسِحْنَ مَعَهُ حَيْثُ مَا سَاحَ ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقُدْرَةِ لَا عَنِ الْكَوْنِ لِأَنَّهُ قَالَ: "إِنْ طَلَّقَكُنَّ" وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهُنَّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
(٢) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن... برقم (١٤٧٩) ٢ / ١١٠٥-١١٠٨.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٢٢٣ لابن عساكر، وقد أشار في مقدمة الجامع إلى أن العزو لابن عساكر مؤذن بالضعف.