عَلَى نَفْسِهِ وَسَأَلَ الْعَذَابَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ" الْآيَةَ (الْأَنْفَالِ-٣٢) فَنَزَلَ بِهِ مَا سَأَلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ صَبْرًا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ: ﴿لَيْسَ لَهُ﴾ أَيْ لِلْعَذَابِ ﴿دَافِعٌ﴾ مَانِعٌ.
﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) ﴾
﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ ذِي السَّمَاوَاتِ، سَمَّاهَا مَعَارِجَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْرُجُ فِيهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ذِي الدَّرَجَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذِي الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ [وَمَعَارِجُ: الْمَلَائِكَةُ] (١). ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ "يَعْرُجُ" بِالْيَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "تَعْرُجُ" بِالتَّاءِ ﴿وَالرُّوحُ﴾ يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿إِلَيْهِ﴾ أَيْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا لَوْ صَعِدَ غَيْرُ الْمَلَكِ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَصْعَدُ مُنْتَهَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَسْفَلِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ.
رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ مِقْدَارَ هَذَا خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ (٢).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَوْ سَارَ بَنُو آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى مَوْضِعِ الْعَرْشِ لَسَارُوا خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَأَرَادَ أَنَّ مَوْقِفَهُمْ لِلْحِسَابِ حَتَّى يُفْصَلُ بَيْنَ النَّاسِ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا، لَيْسَ يَعْنِي بِهِ مِقْدَارَ طُولِهِ هَذَا دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ أَوَّلٌ وَلَيْسَ لَهُ آخِرٌ لِأَنَّهُ يَوْمٌ مَمْدُودٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ آخِرٌ لَكَانَ مُنْقَطِعًا.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٣).

(١) ما بين القوسين زيادة من "ب".
(٢) أخرجه الطبري: ٢٩ / ٧١.
(٣) أخرجه الطبري: ٢٩ / ٧١. وعزاه ابن كثير في التفسير: ٤ / ٤٢٠ لابن أبي حاتم. وساق أربعة أقوال في معنى (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فلتنظر. وعزاه صاحب الدر المنثور: ٨ / ٢٧٩ لابن المنذر والبيهقي في البعث والنشور.


الصفحة التالية
Icon