﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) ﴾
﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) ﴾
﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ﴾ إِلَى الْإِيمَانِ بِكَ ﴿لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ لِئَلَّا يَسْمَعُوا دَعْوَتِي ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ غَطَّوْا بِهَا وُجُوهَهُمْ لِئَلَّا يَرَوْنِي ﴿وَأَصَرُّوا﴾ عَلَى كُفْرِهِمْ ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عَنِ الْإِيمَانِ بِكَ ﴿اسْتِكْبَارًا﴾ ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ مُعْلِنًا بِالدُّعَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَعْلَى صَوْتِي. ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾ كَرَّرْتُ الدُّعَاءَ مُعْلِنًا ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الرَّجُلَ بَعْدَ الرَّجُلِ أُكَلِّمُهُ سِرًا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَدْعُوهُ إِلَى عِبَادَتِكَ وَتَوْحِيدِكَ. ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ وَذَلِكَ أَنْ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوهُ زَمَانًا طَوِيلًا حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ وَأَعَقَمَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَهَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ وَمَوَاشِيهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ نُوحٌ: اسْتَغْفَرُوا رَبَّكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، أَيِ اسْتَدْعَوْا الْمَغْفِرَةَ بِالتَّوْحِيدِ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا.
وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا سَمِعْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ؟ فَقَالَ. طَلَبْتُ الْغَيْثَ [بِمَجَادِيحِ] (١) السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا" (٢).

(١) واحدها مجدح، والياء زائدة للإشباع، والقياس أن يكون واحدها مجداح، فأما مجدح فجمعه مجادح. والمجدح: نجم من النجوم، قيل: هو الدبران. وقيل: هو ثلاثة كواكب كالأثافي، تشبيها بالمجدح الذي له ثلاث شعب، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل الاستغفار مشبها بالأنواء، مخاطبة لهم بما يعرفونه لا قولا بالأنواء، وجاء بلفظ الجمع لأنه أراد الأنواء جميعها التي يزعمون أن من شأنها المطر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: ١ / ٢٤٣.
(٢) أخرجه الطبري: ٢٩ / ٩٣-٩٤، وذكره ابن كثير في تفسيره: ٤ / ٤٢٦. قال الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف ص: (١٧٧) "رجاله ثقات إلا أنه منقطع".


الصفحة التالية
Icon