﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قَسَمٌ بِجَانِبِهِ إِذْ وَإِنَّمَا بِجَانِبِ الْإِقْسَامِ إِذَا [وَدَبَرَ وَأَدْبَرَ] (١) كِلَاهُمَا لُغَةٌ، يُقَالُ: دَبَرَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ إِذَا وَلَّى ذَاهِبًا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: دَبَرَ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: دَبَرَ أَيْ أَقْبَلَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: دَبَرَنِي فُلَانٌ أَيْ جَاءَ خَلَفِي، فَاللَّيْلُ يَأْتِي خَلْفَ النَّهَارِ.
﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أَضَاءَ وَتَبَيَّنَ.
﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) ﴾
﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ يَعْنِي أَنَّ سَقَرَ لَإِحْدَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَوَاحِدُ الْكُبَرِ: كُبْرَى، قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: أَرَادَ بِالْكُبَرِ: دَرَكَاتُ جَهَنَّمَ، وهي سبعة: جنهم، وَلَظَى، وَالْحُطَمَةُ، وَالسَّعِيرُ، وَسَقَرُ، وَالْجَحِيمُ، وَالْهَاوِيَةُ. ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ يَعْنِي النَّارَ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا أَنْذَرَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَدْهَى مِنْهَا، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ: "لَإِحْدَى الْكُبَرِ" لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ، وَ"نَذِيرًا" نَكِرَةٌ، قَالَ الْخَلِيلُ: النَّذِيرُ مَصْدَرٌ كَالنَّكِيرِ، وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَجَازُهُ: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً نَذِيرًا لِلْبَشَرِ أَيْ إِنْذَارًا لَهُمْ. قَالَ أَبُو رُزَيْنٍ يَقُولُ أَنَا لَكُمْ مِنْهَا نَذِيرٌ، فَاتَّقُوهَا. وَقِيلَ: هُوَ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، [فَأَنْذِرْ] (٢) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ. ﴿لِمَنْ شَاءَ﴾ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ "لِلْبَشَرِ" ﴿مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ﴾ فِي الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ ﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ عَنْهَا فِي الشَّرِّ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِنْذَارَ قَدْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ آمَنَ أَوْ كَفَرَ. ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ مُرْتَهِنَةٌ فِي النَّارِ بِكَسْبِهَا مَأْخُوذَةٌ بِعَمَلِهَا. ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ فَإِنَّهُمْ لَا يَرْتَهِنُونَ بِذُنُوبِهِمْ فِي النَّارِ وَلَكِنْ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: عَلَّقَ النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ.
(٢) زيادة من "أ".