وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْخَلِيلُ "بَرِقَ" -بِالْكَسْرِ -أَيْ: فَزِعَ وَتَحَيَّرَ لِمَا يَرَى مِنَ الْعَجَائِبِ (١) وَ"بَرَقَ" بِالْفَتْحِ، أَيْ: شَقَّ عَيْنَهُ وَفَتَحَهَا، مِنَ الْبَرِيقِ، وَهُوَ التَّلَأْلُؤُ (٢)
﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) ﴾
﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ أَظْلَمَ وَذَهَبَ نُورُهُ وَضَوْءُهُ. ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ أَسْوَدَيْنِ مُكَوَّرَيْنِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ. وَقِيلَ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي ذَهَابِ الضِّيَاءِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: يُجْمَعَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُقْذَفَانِ فِي الْبَحْرِ فَيَكُونَانِ نَارَ اللَّهِ الْكُبْرَى. ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ﴾ أَيِ الْكَافِرُ الْمُكَذِّبُ ﴿يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ أَيْ: الْمَهْرَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْفِرَارُ. [وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ، أَيْ: أَيْنَ الْفِرَارُ] (٣) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ﴾ لَا حِصْنَ وَلَا حِرْزَ وَلَا مَلْجَأَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا جَبَلَ وَكَانُوا إذا فزعوا لجؤوا إِلَى الْجَبَلِ فَتُحَصَّنُوا بِهِ. [فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى] (٤) لَا جَبَلَ يَوْمَئِذٍ يَمْنَعُهُمْ. ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ أَيْ مُسْتَقَرُّ الْخَلْقِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْمَصِيرُ وَالْمَرْجِعُ، نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى" (الْعَلَقِ-٨) "وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" (آلِ عِمْرَانَ-٢٨) (النُّورِ-٤٢) (فَاطِرٍ-١٨).
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُنْتَهَى، نَظِيرُهُ: "وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى" (النَّجْمِ-٤٢). ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: "بِمَا قَدَّمَ" (٥) ] قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَسَيِّئٍ، وَمَا أَخَّرَ: بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُ بِهَا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "بِمَا قَدَّمَ" مِنَ الْمَعْصِيَةِ "وَأَخَّرَ" مِنَ الطَّاعَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَا قَدَّمَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَخَّرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَضَيَّعَهُ.
(٢) قال ابن جرير: ٢٩ / ١٧٩ "أولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء (فإذا برق) بمعنى: فزع فشق وفتح من هول القيامة وفزع الموت، وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عبيدة الكلابي:
لما أتاني ابن صبيح راغبا | أعطيته عيساء منها فبرق. |
(٤) في "ب" فقال: قل.
(٥) ما بين القوسين ساقط من "أ".