وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ: "الرَّحْمَنِ" جَرًّا إِتْبَاعًا لِقَوْلِهِ: "رب السماوات ١٨٣/ب " وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، فَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَقْرَآنِ "رَبِّ" بِالْخَفْضِ لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: "جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ" وَيَقْرَآنِ "الرَّحْمَنُ" بِالرَّفْعِ لِبُعْدِهِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، خَبَرُهُ.
وَمَعْنَى ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يُكَلِّمُوا الرَّبَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَمْلِكُونَ شَفَاعَةً إِلَّا بِإِذْنِهِ.
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨) ﴾
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾ أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الرُّوحِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ جِبْرِيلُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الرُّوحُ" مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مَخْلُوقًا أَعْظَمَ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَامَ وَحْدَهُ صَفَّا وَقَامَتِ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، فَيَكُونُ عِظَمُ خَلْقِهِ مِثْلُهُمْ (١).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الرُّوحُ مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَمِنَ الْجِبَالِ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ [أَلْفَ] (٢) تَسْبِيحَةٍ، يُخْلَقُ مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكٌ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَّا وَحْدَهُ (٣).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ: "الرُّوحُ" خُلِقَ عَلَى صُورَةِ بَنِي آدَمَ لَيْسُوا بِنَاسٍ يَقُومُونَ صَفًّا وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا، هَؤُلَاءِ جُنْدٌ وَهَؤُلَاءِ جُنْدٌ.
وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمْ خَلْقٌ عَلَى صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكٌ إِلَّا مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (٤).
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ بَنُو آدَمَ (٥). وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَ يَكْتُمُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ (٦).

(١) انظر: الطبري: ٣٠ / ٢٢.
(٢) ساقط من "ب".
(٣) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٢. واستغربه ابن كثير: ٤ / ٤٦٦ فقال: "وهذا قول غريب جدا". وانظر: الدر المنثور: ٨ / ٤٠٠.
(٤) انظر: الطبري ٣٠ / ٢٣.
(٥) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٣.
(٦) الراجح الجمع بين هذه الأقوال كما بين ابن جرير: ٣٠ / ٢٣ فقال: "والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن خلقه لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح، والروح خلق من خلقه، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت، والله أعلم أي ذلك هو، ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعني به دون غيره يجب التسليم له، ولا حجة تدل عليه، وغير ضائر الجهل به". وراجع ابن كثير: ٤ / ٤٦٦ -٤٦٧ فقد رجح أنهم بنو آدم.


الصفحة التالية
Icon