وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَدِ بْنِ شُرَيْقٍ ضَرَبَ النَّبِيَّ فَلَمْ يُعَاقِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (١) يَقُولُ: مَا الَّذِي غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الْمُتَجَاوِزِ عَنْكَ إِذْ لَمْ يُعَاقِبْكَ عَاجِلًا بِكُفْرِكَ؟ قَالَ قَتَادَةُ: غَرَّهُ عَدُوُّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَعْنِي الشَّيْطَانَ قَالَ مُقَاتِلٌ: غَرَّهُ عَفْوُ اللَّهِ حِينَ لَمْ يُعَاقِبْهُ فِي أَوَّلِ [مَرَّةٍ] (٢). وَقَالَ السُّدِّيُّ: غَرَّهُ رِفْقُ اللَّهِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا منكم من ١٨٦/ب أَحَدٍ إِلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا [عَلِمْتَ] (٣) ؟ يَا ابْنَ آدَمَ مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟.
وَقِيلَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ: لَوْ أَقَامَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ مَاذَا كُنْتَ تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ غَرَّنِي سُتُورُكَ الْمُرَخَّاةُ (٤).
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: لَوْ أَقَامَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا غَرَّكَ بِي؟ [فَأَقُولُ] (٥) غَرَّنِي بِكَ بِرُّكَ بِي سَالِفًا وَآنِفًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لَوْ قَالَ لِي: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ لَقُلْتُ: غَرَّنِي كَرَمُ الْكَرِيمِ.
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِشَارَةِ: إِنَّمَا قَالَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ كَأَنَّهُ لَقَّنَهُ الْإِجَابَةَ حَتَّى يَقُولَ: غَرَّنِي كَرَمُ الْكَرِيمِ.
﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨) ﴾
﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ "فَعَدَلَكَ" بِالتَّخْفِيفِ أَيْ صَرَفَكَ وَأَمَالَكَ إِلَى أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ حَسَنًا وَقَبِيحًا وَطَوِيلًا وَقَصِيرًا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَوَّمَكَ وَجَعَلَكَ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ وَالْأَعْضَاءِ. ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: فِي أَيِّ شَبَهٍ مِنْ أَبٍ أَوْ أَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ عَمٍّ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أُحْضِرَ كُلُّ عِرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ ثُمَّ قَرَأَ "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ" (٦).

(١) عزاه ابن كثير في تفسيره: ٤ / ٤٨٢ للبغوي.
(٢) في "ب" أمره.
(٣) في "أ" عملت.
(٤) انظر: ابن كثير (٤ / ٤٨٤).
(٥) في "ب" قلت.
(٦) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٨٧.


الصفحة التالية
Icon