﴿فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ فَاطْلُبُوا هُنَاكَ لِأَنْفُسِكُمْ نُورًا فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِنَا، فَيَرْجِعُونَ فِي طَلَبِ النُّورِ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ لِيَلْقُوهُمْ فَيُمَيَّزُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ أَيْ سُورٌ، وَ"الْبَاءُ" صِلَةٌ يَعْنِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ﴿لَهُ﴾ أَيْ لِذَلِكَ السُّورِ ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ أَيْ فِي بَاطِنِ ذَلِكَ السُّورِ الرَّحْمَةُ وَهِيَ الْجَنَّةُ ﴿وَظَاهِرُهُ﴾ أَيْ خَارِجَ ذَلِكَ السُّورِ ﴿مِنْ قِبَلِهِ﴾ أَيْ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ ﴿الْعَذَابُ﴾ وَهُوَ النَّارُ.
﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) ﴾
﴿يُنَادُونَهُمْ﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ " فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ" هُوَ سُورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرْقِيُّ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قَبَلِهِ الْعَذَابُ وَادِي جَهَنَّمَ (١).
وَقَالَ شُرَيْحٌ: كَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: فِي الْبَابِ الَّذِي يُسَمَّى "بَابَ الرَّحْمَةِ" فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ: إِنَّهُ الْبَابُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ" الْآيَةَ (٢). "يُنَادُونَهُمْ" يَعْنِي: يُنَادِي الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ حِينَ حُجِزَ بَيْنَهُمْ بِالسُّورِ وَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ:
﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا نُصَلِّي وَنَصُومُ؟ ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ ١٥٣/ب أَهْلَكْتُمُوهَا بِالنِّفَاقِ وَالْكُفْرِ وَاسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ وَكُلُّهَا فِتْنَةٌ ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَتَرَبَّصْتُمُ الْمَوْتَ وَقُلْتُمْ يُوشِكُ أَنْ يَمُوتَ فَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ شَكَكْتُمْ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا أَوْعَدَكُمْ بِهِ ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ الْأَبَاطِيلُ وَمَا كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ مِنْ نِزُولِ الدَّوَائِرِ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ يَعْنِي الْمَوْتَ ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يَعْنِي الشَّيْطَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: مَا زَالُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى قَذَفَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ (٣).
(٢) أخرجه الطبري: ٢٧ / ٢٢٥. قال الحافظ ابن كثير: ٤ / ٣١٠: "وقول كعب الأخبار: إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته، وإنما المراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمافقين..".
(٣) أخرجه الطبري: ٢٧ / ٢٢٧، وزاد السيوطي في الدر المنثور: ١٧ / ٥٦ عزوه لعبد بن حميد. وذكره ابن كثير: ٤ / ٣١٠.