خَفِيفًا كَقَوْلِهِ: "يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى" (الْأَعْلَى-١٢) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ [وَفَتْحِ الصَّادِ] (١) وَتَشْدِيدِ اللَّامِ كَقَوْلِهِ: "وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ" (الْوَاقِعَةِ-٩٤) "ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ" (الْحَاقَّةِ-٣١).
﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) ﴾
﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ وَرُكُوبِ شَهْوَتِهِ.
﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أَنْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَيْنَا وَلَنْ يُبْعَثَ ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلَى﴾ ﴿بَلَى﴾ أَيْ: لَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ يَحُورُ إِلَيْنَا وَيُبْعَثُ ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ مِنْ يَوْمِ خَلَقَهُ إِلَى أَنْ بَعْثَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَبْقَى فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَعْقُبُ تِلْكَ الْحُمْرَةَ.
﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ أَيْ جَمَعَ وَضَمَّ، يُقَالُ: وَسَقْتُهُ أَسِقُهُ وَسْقَا، أَيْ: جَمَعْتُهُ، وَاسْتَوْسَقَتِ الْإِبِلُ: إِذَا اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ. وَالْمَعْنَى: وَاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ وَضَمَّ مَا كَانَ بِالنَّهَارِ مُنْتَشِرًا مِنَ الدَّوَابِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ أَوَى كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ. رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا لَفَّ وَأَظْلَمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: أَقْبَلَ مِنْ ظُلْمَةٍ أَوْ كَوْكَبٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَمَا عُمِلَ فِيهِ. ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى وَتَمَّ نُورُهُ وَهُوَ فِي الْأَيْامِ الْبِيضِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَدَارَ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الْوَسْقِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ.
﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "لَتَرْكَبَنَّ" بِفَتْحِ الْبَاءِ يَعْنِي لَتَرْكَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ ﴿طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي تُصْعَدُ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ وَرُتْبَةً بَعْدَ رُتْبَةٍ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالرِّفْعَةِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: