مُجَاهِدٌ: كُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ شَهِيدٌ، وَتلَا هَذِهِ الْآيَةَ (١).
وَقَالَ قَوْمٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: "هُمُ الصِّدِّيقُونَ" ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَ"الْوَاوُ" وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢) هُوَ قَوْلُ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (٣).
﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ بِمَا عَمِلُوا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ﴿وَنُورُهُمْ﴾ عَلَى الصِّرَاطِ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (٢٠) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أَيْ: أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَ"مَا" صِلَةٌ، أَيْ: أَنَّ الْحَيَاةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ ﴿لَعِبٌ﴾ بَاطِلٌ لَا حَاصِلَ لَهُ ﴿وَلَهْوٌ﴾ فَرَحٌ ثُمَّ يَنْقَضِي ﴿وَزِينَةٌ﴾ مَنْظَرٌ تَتَزَيَّنُونَ بِهِ ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ يَفْخَرُ بِهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ أَيْ: مُبَاهَاةٌ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهَا مَثَلًا فَقَالَ: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ أَيِ: الزُّرَّاعَ ﴿نَبَاتُهُ﴾ مَا نَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْثِ ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ يَيْبَسُ ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ بَعْدَ خُضْرَتِهِ وَنَضْرَتِهِ ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ يَتَحَطَّمُ وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَيَفْنَى ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَعْدَاءِ اللَّهِ ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ.
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ لِمَنْ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِطَلَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِهَا فَلَهُ مَتَاعُ بِلَاغٍ إِلَى مَا هُوَ خير منه ١٥ / ٤ أ
(٢) ذكره الطبري: ٢٧ / ٢٣١.
(٣) انظر: القرطبي: ١٧ / ٢٥٣.