سُورَةُ الْبَلَدِ مَكِّيَّةٌ (١) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢) ﴾
﴿لَا أُقْسِمُ﴾ يَعْنِي، أُقْسِمُ ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ يَعْنِي مَكَّةَ ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ أَيْ حَلَالٌ، ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ تَصْنَعُ فِيهِ مَا تُرِيدُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ. أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، حَتَّى قَاتَلَ وَقَتَلَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ (٢)، ومِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ وَغَيْرِهِمَا (٣)، فَأَحَلَّ دِمَاءَ قَوْمٍ وَحَرَّمَ دِمَاءَ قَوْمٍ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ (٤)، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبَلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (٥).
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَقْسَمَ بِمَكَّةَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا مَعَ حُرْمَتِهَا، فَوَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَحِلُّهَا لَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ فِيهَا، وَأَنْ يَفْتَحَهَا عَلَى يَدِهِ، فَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُحِلَّهَا لَهُ.
قَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "وَأَنْتَ حَلُّ بِهَذَا الْبَلَدِ" قَالَ: يُحَرِّمُونَ أَنْ يَقْتُلُوا بِهَا صَيْدًا وَيَسْتَحِلُّونَ إِخْرَاجَكَ وَقَتْلَكَ؟
(٢) أخرجه البخاري في الحج، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام: ٤ / ٥٨ وفي الجهاد، باب قتل الأسير وقتل الصبر، ومسلم في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم (١٣٥٧) : ٢ / ٩٨٩ - ٩٩٠.
(٣) عزاه ابن حجر في الكافي الشاف ص ١٨٤ لأبي داود والنسائي. وانظر سيرة ابن هشام: ٤ / ٥٢.
(٤) انظر: سيرة ابن هشام: ٤ / ٤٦.
(٥) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الحج، باب فضل الحرم: ٣ / ٤٤٩، ومسلم في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها.. برقم (١٣٥٣) : ٢ / ٩٨٦.