وَيُثِيبُهُ بِحَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتُرَدُّ حَسَنَاتُهُ وَيُعَذِّبُهُ بِسَيِّئَاتِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ": مِنْ كَافِرٍ يَرَى ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، "وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" مِنْ مُؤْمِنٍ يَرَى عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ" كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِيهِ السَّائِلُ فَيَسْتَقِلُّ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَةَ وَالْكِسْرَةَ وَالْجَوْزَةَ وَنَحْوَهَا، يَقُولُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ إِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ، وَكَانَ الْآخَرُ يَتَهَاوَنُ بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ كَالْكِذْبَةِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّظْرَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إِثْمٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يُعْطُوهُ، فإنه يوشك ١٩٨/ب أَنْ يَكْثُرَ، وَيُحَذِّرُهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الذَّنْبِ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ (١)، فَالْإِثْمُ الصَّغِيرُ فِي عَيْنِ صَاحِبِهِ أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ يوم القيامة، وجيمع مَحَاسِنِهِ [فِي عَيْنِهِ] (٢) أَقَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ".
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيهَا الْجَامِعَةَ الْفَاذَّةَ حِينَ سُئِلَ عَنْ زَكَاةِ الْحُمُرِ فَقَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلِيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ "فَمَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (٣).
وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَائِشَةُ بِحَبَّةِ عِنَبٍ، وَقَالَا فِيهَا مَثَاقِيلُ كَثِيرَةٌ (٤).
وَقَالَ الربيع بن خيثم: مَرَّ رَجُلٌ بِالْحَسَنِ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهَا قَالَ: حَسْبِي قَدِ انْتَهَتِ الْمَوْعِظَةُ (٥).
(٢) زيادة من "أ".
(٣) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة الزلزلة - باب (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ٨ / ٧٢٧، وفي الجهاد. باب: الخيل لثلاثة ٦ / ٦٣ - ٦٤. ومسلم في الزكاة، باب: إثم مانع الزكاة برقم (٩٨٧) ٢ / ٦٨٢.
(٤) انظر: الدر المنثور: ٨ / ٥٩٧.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في التفسير: ٢ / ٣٨٨.