وَتُوقِدُ نَارَهَا كَمَا تُوقَدُ النَّارُ [بِالْحَطَبِ] (١). يُقَالُ: فُلَانٌ يَحْطِبُ عَلَى فُلَانٍ، إِذَا كَانَ يُغْرِي بِهِ (٢).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: حَمَّالَةَ الْخَطَايَا، دَلِيلُهُ: قَوْلُهُ: "وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ" (الْأَنْعَامِ -٣١).
قَرَأَ عَاصِمٌ "حَمَّالَةَ" بِالنَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ، كَقَوْلِهِ: "مَلْعُونِينَ".
وَقَرَأَ. الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا سَيَصْلَى نَارًا هُوَ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ. وَالثَّانِي: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي النَّارِ أَيْضًا.
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥) ﴾
﴿فِي جِيدِهَا﴾ فِي عُنُقِهَا، وَجَمْعُهُ أَجْيَادٌ، ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا، تَدْخُلُ فِي فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا، وَيَكُونُ سَائِرُهَا فِي عُنُقِهَا، وَأَصْلُهُ مِنَ "الْمَسْدِ" وَهُوَ الْفَتْلُ، وَ"الْمَسَدُ" مَا فُتِلَ وَأُحْكِمَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، يَعْنِي: السِّلْسِلَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا فَفُتِلَتْ مِنَ الْحَدِيدِ فَتْلًا مُحْكَمًا.
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ: "مِنْ مَسَدٍ" أَيْ مِنْ حَدِيدٍ، وَالْمَسَدُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَكَرَةِ، يُقَالُ لَهَا الْمِحْوَرُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: مِنْ لِيفٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: فِي الدُّنْيَا مِنْ لِيفٍ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ نَارٍ. وَذَلِكَ اللِّيفُ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي كَانَتْ تَحْتَطِبُ بِهِ، فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ حَامِلَةٌ حُزْمَةً فَأَعْيَتْ فَقَعَدَتْ عَلَى حَجَرٍ تَسْتَرِيحُ فَأَتَاهَا مَلَكٌ فَجَذَبَهَا مِنْ خَلْفِهَا فَأَهْلَكَهَا.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَبْلٌ مِنْ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ مَسَدٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: قِلَادَةٌ مَنْ وَدَعٍ (٣) وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَتْ خَرَزَاتٌ فِي عُنُقِهَا [فَاخِرَةٌ] (٤) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَتْ لَهَا قِلَادَةٌ فِي عُنُقِهَا فَاخِرَةٌ، فَقَالَتْ: لَأُنْفِقَنَّهَا فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(١) في "ب" الحطب.
(٢) أورد الطبري: ٣٠ / ٣٣٨ - ٣٣٩ أقوالا مردها إلى رأيين ثم قال مرجحا: "وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: "كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك".
(٣) ساق الطبري: ٣٠ / ٣٤٠ - ٣٤١ أقوال المفسرين ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو حبل جمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا".
(٤) زيادة من "ب".


الصفحة التالية
Icon