بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا، ثُمَّ أَتَى الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١)
﴿وَاسْأَلُوا﴾ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ﴾ أَيْ: إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْكُمْ بِالْمُشْرِكِينَ مُرْتَدَّةً فَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا مَنَعُوهَا مِمَّنْ تُزَوَّجَهَا مِنْهُمْ ﴿وَلْيَسْأَلُوا﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَحِقَتْ أَزْوَاجُهُمْ بِكُمْ ﴿مَا أَنْفَقُوا﴾ مِنَ الْمَهْرِ مِمَّنْ تَزَوَجَهَا مِنْكُمْ ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النِّسَاءَ وَلِمَ يَرُدَّ الصَّدَاقَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمُسَلِّمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ (٢) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقَرَّ الْمُؤْمِنُونَ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدَّوْا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ نَفَقَاتِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى نِسَائِهِمْ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ أَدَاءِ نَفَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ [عَلَى نِسَائِهِمْ] (٣) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ﴾
﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) ﴾
﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ﴾ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ فَلَحِقْنَ بِهِمْ مُرْتَدَّاتٍ ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ غَنِمْتُمْ، أَيْ غَزَوْتُمْ فَأَصَبْتُمْ مِنَ الْكُفَّارِ عُقْبَى وَهِيَ الْغَنِيمَةُ، وَقِيلَ: ظَهَرْتُمْ وَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَكُمْ، وَقِيلَ: أَصَبْتُمُوهُمْ فِي الْقِتَالِ بِعُقُوبَةٍ حَتَّى غَنِمْتُمْ، قَرَأَ حُمَيدُ الْأَعْرَجُ "فَعَقَّبْتُمْ" بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: "فَعَقَبْتُمْ" خَفِيفَةً بِغَيْرِ أَلْفٍ وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ " فَأَعْقَبْتُمْ " أَيْ صَنَعْتُمْ بِهِمْ كَمَا صَنَعُوا بِكُمْ. وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ: عَاقَبَ وَعَقَّبَ وَعَقَبَ، وَأَعْقَبَ وَتَعَقَّبَ وَتَعَاقَبَ وَاعْتَقَبَ: إِذَا غَنِمَ. وَقِيلَ: "التَّعْقِيبُ": غَزْوَةٌ بَعْدَ غَزْوَةٍ ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ﴾ إِلَى الْكُفَّارِ مِنْكُمْ ﴿مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا﴾ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْغَنَائِمِ الَّتِي صَارَتْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لِحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ سِتُّ نِسْوَةٍ: أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ
(٢) أخرجه الطبري: ٢٨ / ٧٤. وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ١٣٦-١٣٧ عزوه لعبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن المنذر.
(٣) ساقط من "أ".