استعراضه لمختلف التفاسير في زمنه وتمحيصها وترجيح بعضها على بعض وإيداء رأيه الخاص مستعينا في ذلك باللغة وأسرارها وبمعرفته لتقاليد العرب وآدابهم وثقافته الواسعة في فهم طبائع الاشياء، وقد سلك مسلكه الامام الزمخشري ومن جاء بعده ممن استعملوا عقولهم وخبراتهم وعلومهم في تفسيرهم القرآن، وكذلك فعل أئمة المذاهب الاربعة في تمحيص القرآن وفهمه واستنباط الاحكام منه.
وقد أجاز هذا التفسير بالرأى الامام الغزالي وغيره ما دام الرأى لا يخالف القرآن ولا يعارض السنة النبوية ويحقق ما أمر به الله في قوله تعالى في سورة
محمد آية ٢٤: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) وفى هذا تحريض على التدبر والتفكر في القرآن بقلوب مفتوحة وعقول مستنيرة غير مغلقة.
وأنه على الرغم من الدعوة إلى تعقل آيات الله والتعمق في معانيها إلا أن هناك من المحاذير ما يمنع بل يحرم تحريما باتا استعمال الرأى إذا كان هذا الرأى نابعا عن هوى شخصي في نفس المفسر ما يتنافى مع الشرع ويأباه العرف، أو كان رأيا صادرا عن تحميل الآيات ما لا تتحمله لاقرار مذهب معين يتعصب له المفسر ويقحمه إقحاما لا مبرر له أصلا في نصوص الآيات لان ذلك يفتح أمام القلوب المريضة المجالات للتهجم على القرآن بما لم ينزل به الله سلطانا.
ولئن كان بعض العلماء أجاز التفسير بالرأى والتأويل استنادا إلى دعاء النبي ﷺ لابن عباس بأن يفقههه الله في الدين ويعلمه التأويل إلا أن ذلك التوسع في التأويل قد فتح باب الشطط في التخيل والتصور وأوقع الكثير من المؤولين في مزالق خطيرة في فهم الآيات وتحميلها معاني بعيدة عنها ومن ذلك