قال الإمام ابن كثير في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ أي: كلموهم طيّبا، ولينوا لهم جانبا، ويدخل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر…"١.
وقوله تعالى أيضا في حق إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ ٢، فالنص القرآني صريح في أن الله أوحى إلى هؤلاء الرسل الكرام فعل الخيرات، وفعل الخيرات يشمل كل الفضائل التي تسعد بها البشرية، وتأخذ بيدها إلى ما فيه عزها وصلاحها.
وقال كذلك في سياق قصة زكريا عليه السلام: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ ٣.
الجهة الرابعة: من جهات تصديق القرآن الكريم لما سبقه من كتب الله، أن الله قد جمع فيه ما توزع في هذه الكتب من فضائل، وصاغها في قوالب جديدة، فأنقذ بذلك أصول من سبقه من كتب الله وحفظه وصدقه، ولولا القرآن الكريم ما بقي لهذا التراث وجود.
فالقرآن الكريم لذلك خلاصة كاملة للرسالات الأولى وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها، وهو ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت آذان الأمم في شتى العصور، واستعراض دقيق للأشفية السماوية التي احتاجت إليها البشرية جيلا بعد جيل.
إن القرآن الكريم -بهذه الاعتبارات- مجمع حقائق الثابتة، ومجلى عناية الله بعباده، وإظهارا لهذا المعنى، يقول الله عز وجل وصفا لبعض عظات القرآن: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ ٤.
ويقول بعد سرد لتاريخ الأمم والمرسلين، أحصى هذا السرد عددا كبيرا من تلك الأمم، وهؤلاء الرسل: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ ٥.
فالمراد بالزبر ها هنا الكتب المنزلة على الرسل المتقدمين.
فالنبي الخاتم مجدد لدين الله، ومقيم لما انهدم من أركانه ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو أن موسى حي ما وسعه إلا اتباعي" ٦.
وكذلك يطرد الحكم مع سائر الأنبياء، فإن الرسول الخاتم جاء بالأصول التي جاؤوا بها وبانيا على قواعدها، وكتابه أدق تعبير وأصدقه في بيان ما هدى به كل نبي في الأولين أمته٧.
٢ الأنبياء ٧٣.
٣ الأنبياء ٩٠.
٤ الأعلى ١٨-١٩.
٥ الشعراء ١٩٠- ١٩٦.
٦ مسند أحمد ٣ (٣٨٧).
٧ انظر كتاب: (نظرات في القرآن) لفضيلة الشيخ محمد الغزالي (١١- ١٢).