فيها: ألمْ: الله أعلم١ بمراده ذلك.
وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين: الأولى: أنه لما كان المشركون يمنعون سماع٢ القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين كان النطق بهذه الحروف حم. طس. ق. كهيعص. وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن، فيسمعون فيتأثرون وينجذبون فيؤمنون ويسمعون وكفى بهذه الفائدة من فائدة. والثانية: لما أنكر المشركون كون القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم كأنها: أن هذا القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله. ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالباً نحو: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾، ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾، كأنها تقول: إنه من مثل هذه الحروف تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره فإن عجزوا فسلموا أنه كلام الله ووحيه وآمنوا به تفلحوا.
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ (٢)
شرح الكلمات:
﴿ذَلِكَ﴾ : هذا، وإنما عُدل عن لفظ هذا إلى ذلك. لما تفيده الإشارة بلام البعد٣ من علو المنزلة وارتفاع القدر والشأن.
﴿الْكِتَابُ٤﴾ : القرآن الكريم الذي يقرأه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس.
﴿لا رَيْبَ٥﴾ : لاشك أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله.
٢ دليله قوله تعالى من سورة فصلت: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
٣ اسم الإشارة هو: (ذا) وهو للقريب ويقال (ذاك) للمتوسط البعد (وذلك) للبعيد.
٤ يطلق لفظ الكتاب على الفرض نحو: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام﴾. أي فرض، وعلى العقد بين العبد وسيده نحو: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾. وعلى القدر، نحو: ﴿كِتَابَ اللهِ﴾، أي قدره وقضاؤه، ويصح في إعراب الكتاب أن يكون بدلاً من اسم الإشارة، ويصح أن يكون خبراً له.
٥ وريب الدهر: صروفه وخطوبه، وأصل الريب: قلق النفس لحديث الصحيح: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشك ريب وإن الصدق طمأنينة".