﴿تُقَاةً١﴾ : وقاية باللسان وهما الكلمة الملينة للجانب، المبعدة للبغضاء.
﴿مُحْضَراً﴾ : حاضراً يوم القيامة.
﴿أَمَداً بَعِيداً﴾ : مدى وغاية بعيدة.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ : أي: يخوفكم عقابه إن عصيتموه.
معنى الآيات:
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أي: أعواناً وأنصاراً يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين، وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برئ الله تعالى منه، وذلك لكفره وردته، حيث والى أعداء الله وعادى أولياءه، فقال تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ٢ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ﴾ أي: برئ الله تعالى منه وانقطعت صلته وانبت حبل الولاية بينه وبين الله تعالى، ويا هلاكه، ثم رخص تعالى للمؤمنين المستضعفين الذين يعيشون تحت سلطان الكافرين في أن يعطوهم حلاوة لسانهم دون قلوبهم وأعمالهم٣ فيتقون بذلك شرهم وأذاهم، وذلك بكلمة المصانعة والمجاملة، قال تعالى: ﴿إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة... ﴾ ولما كان أمر البراء والولاء ذا خطر عظيم، قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ أي: في أن تتخذوا أعداءه أولياء ضد أوليائه وأخبرهم أن المصير إليه لا إلى غيره فليحذر العصاة من وقوفهم بين يدي الله، فقال: ﴿وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾.
هذا ما تمضنته الآية الأولى (٢٨)، وأما الآية الثانية (٢٩) فقد أمر تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للناس مؤمنهم وكافرهم ﴿... إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ... ﴾ من حب أو بغض، من رضى أو سخط فلا تنطقوا به ولا تظهروه بحال من الأحوال، أو أن تظهروه بقول أو عمل أو حال فإنه تعالى يعلمه ويعلم ما في السموات والأرض، ويحاسب به ويجزي عليه وهو
٢ ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، حرف الجر: ﴿من﴾ لتأكيد الظرفية، وهو تقييد للنهي في الظاهر فيكون المنهى عنه اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين، وهو المراد من الآية، ولذلك صور منها: أن يتخذ المسلم أو المسلمون جماعة الكفر أولياء لهم ميلاً إلى كفرهم ومناوئة للمسلمين وهذه كفر بلا خلاف، ومنها أن يوالي الكفار لأجل الإضرار بالمسلمين، وهذه كالأولى، ومنها: ما أذن فيها، وهي التقية.
٣ روى البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنا لنكشر في أقوام وقلوبنا تلعنهم" يريد المنافقين. والتكشير: كالابتسام إلا أنه متكلف فيه.