تعالى في تناسل البشر من ذكر وأنثى، وأمرها بمواصلة الطاعة والإخبات والخشوع لله تعالى فقال: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي١ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ٢﴾، وخص الصلاة بالذكر لأهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو السجود والركوع وفي بيت المقدس مع الراكعين.
هذا معنى الآيتين الأولى (٤٢) والثانية (٤٢)، أما الآية الثالثة (٤٤) فقد خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشيراً إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة ومريم وزكريا ويحي، ومريم أخيراً بأنه كله من أنباء الغيب، وإخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك نبيه ورسوله، وما جاء به من الدين هو الحق، وما عداه فهو باطل، وبذلك تقرر مبدأ التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، وبطل باطل أهل الكتاب فلا عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله، ولا هو إله مع الله، وإنما هو عبد الله ورسول الله. ثم تقريراً لمبدأ الوحي وتأكيداً له قال تعالى لرسوله أيضاً، وما كنت لديهم أي عند علماء بني إسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم، وهم يقترعون على النذيرة: "مريم" من يكفلها فرموا بأقلامهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن الله، فالقوا أقلامهم تلك الأقلام التي كانت تكتب الحق والهدى لا الباطل والضلال كما هي أغلب أقلام أرباب الصحف والمجلات اليوم، فوقف قلم زكريا ففاز بكفالتها٣ بإذن الله تعالى وقد تقدم قول الله تعالى: فكفلها زكريا، بهذا قامت الحجة على أهل الكتاب وغيرهم بأنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدين الحق هو الإسلام وما عداه فباطل وضلال!.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من كمل النساء ففي
٢ فيه دليل على صلاة المرأة في الجماعة، وقد سن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" وإن كان قوله ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ لا يستلزم الصلاة في جماعة إذ هو أمر بالركوع فقد تركع وحدها أو مع غيرها.
٣ قال القرطبي دلت هذه الآية: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات ما عدا الجدة. وقد قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ابنة حمزة "أمة الله" لجعفر لأن خالتها كانت تحته. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الخالة بمنزلة الأم".