وهي قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾، فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضاً على فراش الموت بأن لا يسمح له أن يحيف في الوصية بأن يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من الثلث أو يذكر ديناً ليس عليه، وإنما يريد حرمان الورثة. فقال تعالى آمراً عباده المؤمنين ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي: من بعد موتهم، ﴿ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾، أي: فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته. كما يخشونها على أولادهم. إذاً فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم. وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولاً سديداً: صائباً لا حيف فيه ولا جور معه. هذا ما تضمنته الآية الثالثة (٩)، أما الآية الرابعة (١٠) فقد تضمنت وعيداً شديداً لمن يأكل مال اليتيم ظلماً، إذ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى١ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ٢ سَعِيراً﴾. والمراد من الظلم أنهم أكلوها بغير حق أباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه، ومعنى: ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ إنهم يأكلون النار يوم القيامة، فقوله إنما يأكلون في بطونهم ناراً هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم، والعياذ بالله من نار السعير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.
٢- استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم صُرفوا بالكلمة الطيبة، وفي الحديث: "الكلمة الطيبة صدقة".
٣- وجوب النصح والإرشاد للمحتضر حتى لا يجور في وصيته عند موته.
٤- على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن الله تعالى يكفيه فيهم.
٥- حرمة أكل مال اليتامى ظلماً، والوعيد الشديد فيه.
٢ قرأ أبو حيوة: ﴿وسيُصلّون﴾ بضم الياء وتشديد اللام من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد أخرى ومنه: ﴿ثُمّ الْجَحِيم صَلّوه﴾، أي: مرة بعد مرة، وعليه قول الشاعر:
وقد تصليت حر حربهم... كما تصلى المقرور من قرتين
يريد أنه اكتوى بنار حربهم مرة بعد مرة كما يفعل من به البرد الشديد فإنه يستدفئ مرة بعد مرة.