﴿عَلِيماً حَكِيماً﴾ : عليماً بخلقه وما يصلح لهم، حكيماً في تصرفه في شؤون خلقه وتدبيره لهم.
معنى الآية الكريمة:
هذه الآية الكريمة (١١) ﴿يُوصِيكُمُ١ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ٢ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ إلخ. والتي بعدها (١٢) وهي قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ إلخ. نزلت لتفصيل حكم الآية (٧) والتي تضمنت شرعية التوارث بين الأقارب المسلمين فالآية الأولى (١١) بين تعالى فيها توارث الأبناء مع الآباء، فقال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ أي: في شأن أولادكم ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ يريد إذا مات الرجل وترك أولاداً ذكوراً وإناثاً فإن التركة تقسم على أساس للذكر مثل نصيب الأنثيين، فلو ترك ولداً وبنتاً وثلاثة دنانير فإن الولد يأخذ دينارين، والبنت تأخذ ديناراً، وإن ترك بنات اثنين أو أكثر ولم يترك معهن ذكراً فإن للبنتين فأكثر الثلثين، والباقي للعصبة، إذ قال تعالى: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾. وإن ترك بنتاً واحدة فإن لها النصف والباقي للعصبة، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، وإن كان الميت قد ترك أبويه، أي: أمه وأباه وترك أولاداً ذكوراً أو إناثاً فإن لكل واحد من أبويه السدس والباقي للأولاد، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾، يريد ذكراً كان أو أنثى٣. فإن لم يكن للهالك ولد ولا ولَدْ ولَدٍ فلأمه الثلث٤ وإن كان له أخوة اثنان فأكثر فلأمه السدس٥، هذا معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾. أي: تسقط من الثلث٦ إلى السدس وهذا

١ هذه الآية مبينة لما أجمل في آية: ﴿للرجَال نَصيب..﴾ وتسمى آية المواريث وهي من أعظم الآيات قدراً؛ لأن علم الفرائض يعتبر ثلث العلم لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية أبي داود وغيره: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة". ومعنى محكمة غير منسوخة، ومعنى قائمة ثابتة صحيحة، ومعنى عادلة لم يخرج بها عن مراد الله تعالى منها، وذلك بإعطاء الوارث ما كتب الله له.
٢ خرج من لفظ: الأولاد الكافر لأنه لا حق له في الإرث؛ لأن الكفر مانع، وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". كما خرج ميراث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة".
٣ إذا كان الولد خنثى فإنه يورث من حيث يبول، إن بال من حيث يبول الرجال يورث إرث الذكر، وإن بال من حيث تبول النساء يورث إرث النساء، وإن أشكل ذلك يعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى. على هذا الجمهور.
٤ هناك ما يعرف بالثلث الباقي، وهو أن تهلك هالكة وتترك زوجها وأبويها؛ فللزوج النصف، والباقي ثلثه للأم، والثلثان للأب، قرر هذا ابن عباس، وزيد بن ثابت، وقرره كافة الأصحاب، وعليه الأئمة، وحتى لا تأخذ المرأة أكثر من الرجل.
٥ قيل في سر حجب الأخوة لأمهم من الثلث إلى السدس: أن والدهم هو الذي يلي نكاحهم وهو الذي ينفق عليهم دون أمهم. وهو رأي حسن.
٦ الجدة ترث السدس ولا ترث الثلث، كما ترثه الأم إجماعاً.


الصفحة التالية
Icon