إن كره زوجته أن يصبر ولا يطلق لما في ذلك من العاقبة الحسنة، لأن الطلاق بغير موجب غير صالح ولا مرغوب للشارع وكم من أمر يكرهه العبد ويصبر عليه فيجعل الله تعالى فيه الخير الكثير. هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٩)، أما الآيتان بعدها فقد تضمنتا: تحريم أخذ شيء من مهر المرأة إذا طلقها الزوج لا لإتيانها بفاحشة ولا لنشوزها، ولكن لرغبة منه في طلاقها ليتزوج غيرها في هذه الحال لا يحل له أن يضارها لتفتدي منه بشيء ولو قل، ولو كان قد أمهرها قنطاراً فلا يحل أن يأخذ منه فلساً فضلاً عن دينار أو درهم هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً١ فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً﴾ أتأخذونه بهتاناً، أي: ظلماً بغير حق وكذباً وافتراء وإثماً، أي: ذنبا ًعظيماً، ثم قال تعالى منكراً على من يفعل ذلك: وكيف تأخذونه أي: بأي وجه يحل لكم ذلك، والحال أنه قد أفضى٢ بعضهم إلى بعض أي: بالجماع، إذ ما استحل الزوج فرجها إلا بذلك المهر فكيف إذا يسترده أو شيئاً منه بهتاناً وإثماً مبيناً، فقال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ ؟ وقوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ يعني: عقد النكاح فهو عهد مؤكد يقول: الزوج نكحتها على مبدأ: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه، هذا ما أنكره تعالى بقوله: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾ إذ هو استفهام إنكاري٣.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إبطال قانون الجاهلية القائم على أن ابن الزوج يرث امرأة أبيه.
٢- حرمة العضل من أجل الافتداء بالمهر وغيره.
٣- الترغيب في الصبر.

١ روى أصحاب السنن، وصححه الترمذي: أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله ما أصدق قط امرأة من نساؤه ولا بناته فوق اثنتي عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له يا عمر: أيعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً﴾ ؟ قال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر".
٢ اختلف في الإفضاء الذي يجب به المهر، قال عمر: "إن أغلق باباً وأرخى ستراً ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة، ولها الميراث وهو قول فصل. أما الإفضاء الذي تحل به المطلقة ثلاثاً من الوطء لحديث: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" والإفضاء في هذه الآية: الجماع أيضاً. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
٣ نعم إنكاري، وفيه معنى التعجب أيضاً؛ لأنه أمر مستنكر ومتعجب منه لفظاعته وخروجه عن اللياقة والأدب.


الصفحة التالية
Icon