﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا﴾ : أي: وحرم عليكم ما تحصلون عليه بالاستقسام بالأزلام ومثله ما يأخذه صاحب الكهانة والشواقة وقرعة الأنبياء، والحروز الباطلة التي فيها طلاسم وأسماء الجن والعفاريت.
﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ : أي: ما ذكر من أكل الميتة إلى الاستقسام بالإزلام خروج عن طاعة الله تعالى ومعصية له سبحانه وتعالى.
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ : أي: من ألجأته ضرورة الجوع فخاف على نفسه الموت فلا بأس أن يأكل مما ذكر.
﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ : المخمصة: شدة الجوع حتى يضمر البطن لقلة الغذاء به.
﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ﴾ : غير مائل لإثم يريد غير راغب في المعصية بأكل ما أكل من الميتة، وذلك بأن يأكل أكثر مما يسد به رمقه ويدفع به غائلة الجوع المهلك.
معنى الآية الكريمة:
هذه الآية الكريمة هي تفسير وتفصيل لقوله تعالى في الآية الأولى من هذه السورة، وهو قوله: ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ حيث ذكر في هذه الآية سائر المحرمات من اللحوم وهي عشر كما يلي:
الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب١.
وقوله تعالى: ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ٢﴾ يريد ما أدركتم فيه الروح مستقرة. بحيث إذا ذبحتموه اضطرب للذبح وركض برجليه فإن هذا علامة أنه كان حياً وأنه مات بالذبح٣.
وقوله: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ﴾ يريد ولا يحل لكم الاستقسام بالأزلام، ولا أكل ما يعطى عليها وحقيقتها أنهم كانوا في الجاهلية يضعون القداح المعبر عنها بالأزلام جمع زلم وهو رمح صغير لا زج له ولا ريش فيه، يضعونها في خريطة كالكيس، وقد كتب على واحد أمرني

١ ما ذبح على النصب، وما أهل لغير الله به: هما كشيء واحد إلى أن ما أهل لغير الله به غالبًا يكون مذبوحًا لغير الأصنام؛ كالأنبياء والأولياء.
٢ الذكاة في لغة العرب: الذبح كقوله تعالى: ﴿إلا ما ذَكيتم﴾، أي: ذبحتم ما ذكر اسم الله عليها، وفي الحديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، والذكاة: سرعة الفطنة، والتذكية: مأخوذة من التطيب، فذكاها بمعنى: طيبها بالذبح، ومنه رائحة ذكية: أي: طيبة.
٣ والذكاة تقع بكل حاد ينهر الدم، ويفري الأوداج ما عدا العظم والسن، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس السن والظفر"، لأن السن عظم، والظفر مدى الحبشة.


الصفحة التالية
Icon