صفة له كان أقدر على أداء الحقوق والواجبات، وعلى ترك الظلم واجتناب المنهيات، ثم أمرهم بالتقوى مؤكداً شأنها؛ لأنها ملاك الأمر، وأعلمهم بأنه خبير بما يعملون لتزداد ملكة مراقبة الله تعالى في نفوسهم فيفوزون بالعدل والتقوى معاً، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٨) أما الآية (٩) فقد تضمنت بشرى سارة١ لهم، وهي أن ربهم قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة لذنوبهم والأجر العظيم لهم وهو الجنة، وقلت بشرى سارة لهم، لأنهم هم أهل الإيمان وصالح الأعمال رضي الله عنهم وأرضاهم، أما الآية الثالثة (١٠) فقد تضمنت وعيداً شديداً للكافرين المكذبين بآيات الله وحججه التي أرسل بها رسله وأيدهم بها، ولازم لكذبهم وكفرهم خبث أرواحهم، ولذا فهم لا يلائمهم إلا عذاب النار فكانوا بذلك أصحاب الجحيم٢ الذين لا يفارقونها أبداً، وأما الآية الرابعة (١١) فقد ذكرهم تعالى بنعمة عظيمة من نعمه، هي نجاة نبيهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتل أعدائه وأعدائهم وهم اليهود إذ ورد في سبب نزول هذه الآية ما خلاصته:
أن أولياء العامريين الذين قتلا خطأ من قبل مسلم حيث ظنهما كافرين فقتلهما، جاءوا يطالبون بدية قتيلهم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه الخلفاء الراشدون الأربعة وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين إلى بني النضير يطالبونهم بتحمل شيء من هذه الدية بموجب عقد المعاهدة، إذ من جملة موادها: تحمل أحد الطرفين معونة الطرف الآخر في مثل هذه الحالة المالية، فلما وصلوا إلى ديارهم شرق المدينة استقبلوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحفاوة والتكريم وأجلسوه مكاناً لائقاً تحت جدار منزل من منازلهم وأفهموه أنهم يعدون الطعام والنقود، وقد خلوا ببعضهم وتأمروا على قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا فرصة متاحة فلا نفوتها أبداً وأمروا أحدهم أن يطلق من سطح المنزل حجر رحى كبيرة على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقتله، وما زالوا يدبرون مكيدتهم حتى أوحى الله إلى رسوله بالمؤامرة الدنيئة، فقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبعه أصحابه ودخلوا إلى المدينة وفاتت فرصة اليهود واستوجبوا بذلك اللعن وإلغاء المعاهدة وإجلائهم من المدينة، وقصتهم في سورة الحشر، والمقصود من هذا بيان المراد من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
٢ في الآية قصر إدعائي، وهو قوله تعالى: ﴿أولئك أصْحَابْ الْجَحيِم﴾، أي: لا غيرهم؛ كأنهم المتأهلون للعذاب والخلود فيه دون غيرهم، وذلك لعظم جرمهم بالكفر والتكذيب.