صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واذكر١ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ﴾ كموسى وهارون عليهما السلام ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً٢﴾ تملكون أنفسكم لا سلطان لأمة عليكم إلا سلطان ربكم عز وجل٣ ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ للسكن فيها والاستقرار بها فافتحوا باب المدينة وباغتوا العدو فإنكم تغلبون ﴿وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ أي: ولا ترجعوا إلى الوراء منهزمين فتنقلبوا بذلك خاسرين، لا أمر الله بالجهاد أطعتم، ولا المدينة المقدسة دخلتم وسكنتم، واسمع يا رسولنا جواب القوم ليزول استعظامك بكفرهم بك وهمهم بقتلك، ولتعلم أنهم قوم بهت سفلة لا خير لهم، إذ قالوا في جوابهم لنبيهم موسى عليه السلام: ﴿يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ٤ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ !! وكان سبب هذه الهزيمة الروحية ما أذاعه النقباء من أخبار مهيلة مخيفة تصف العمالقة الكنعانيين بصفات لا تكاد تتصور في العقول، اللهم إلا اثنين منهم، وهما: يوشع بن نون، وكالب بن يوحنا، وهما اللذان قال تعالى عنهما: ﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ أي: أمر الله تعالى ﴿أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِمَا﴾ فعصمهما من إفشاء سر ما رأوا من قوة الكنعانيين إلا لموسى عليه السلام قالا للقوم: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ أي: باب المدينة ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾، وذلك لعنصر المباغتة، وهو عنصر مهم في الحروب، ﴿وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا﴾ وهاجموا القوم واقتحموا عليهم المدينة ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بما أوجب الله عليكم من جهاد وكتب لكم من الاستقرار بهذه البلاد والعيش بها، لأنها أرض٥ القدس والطهر. هذا ما تضمنته الآيات الأربع، وسنسمع رد اليهود على الرجلين في الآيات التالية.
٢ روي عن الحسن وزيد ابن أسلم: "أن من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملك". وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، كما في صحيح مسلم، إذ سأله رجل قائلاً: "ألسنا من فقراء المهاجرين. فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها. قال: نعم. قال: ألك منزل تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادمًا. قال: فأنت ملك".
٣ سقطت هذه الآية من التفسير: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ وهو قول موسى لقومه، وما آتاهم منه: المن والسلوى والغمام. وكون الأنبياء في بني إسرائيل في هذا المذكور تبدوا الخصوصية المذكورة في قوله: ﴿مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾.
٤ ﴿جَبّارِين﴾ أي: عظام الأجسام طوالها، والجبار من الناس: المتعظم الممتنع من الذل والفقر، أو هو من يجبر الناس على مراده لقوته عليهم وقهره لهم، وذكر القرطبي هنا حديثًا مسهبًا، عن عوج بن عناق، وهو حديث خرافة لما فيه من التهاويل الباطلة.
٥ هي أرض فلسطين الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط وبين نهر الأردن والبحر الميت، فتنتهي إلى حماة شمالاً وغزة وحرون جنوبًا "نقلاً عن التنوير".