تعالى في الآية الأولى عن منافقيهم فقال: ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ١﴾ يريد: غشوكم في مجالسكم، ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ وما آمنوا ولكنهم ينافقون لا غير فقد دخلوا بالكفر٢ في قلوبهم وخرجوا به، ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ من الكفر والكيد لكم. هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى (٦١) ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾، وأما الآية الثانية (٦٢) فقد أخبر تعالى رسوله أنهم لكثرة ما يرتكبون من الذنوب ويغشون من المعاصي ترى كثيراً منهم٣ يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت علناً لا يستترون به ولا يخفونه ثم ذمهم الله تعالى ذلك وقبح فعلهم فقال: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وفي الآية الأخيرة: أنكر على عبادهم وعلمائهم سكوتهم عن جرائم عوامهم ورضوا بها مصانعة لهم ومداهنة، فقال تعالى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ٤ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ﴾ أي: لم لا ينهونهم عن قولهم الإثم، أي: الكذب، وأكلهم السحت. الرشوة والربا، ثم ذم تعالى سكوت العلماء عنهم بقوله: ﴿لَبِئْسَ٥ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ أي: وعزتي وجلالي لبئس صنيع هؤلاء من صنيع حيث أصبح السكوت المتعمد لمنافع خاصة يحصلون عليها صنعة لهم أتقنوها وحذقوها. والعياذ بالله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجود منافقين من اليهود على عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
٢- بيان استهتار اليهود وعدم مبالاتهم بارتكابهم الجرائم علانية.
٣- قبح سكوت العلماء على المنكر وإغضائهم على فاعليه، ولذا قال كثير من السلف في هذه الآية أشد آية وأخطرها على العلماء.
٢ أي: أنهم ما أمنوا قط، ولم يخالط الإيمان قلوبهم طرفة عين، فهم دخلوا كافرين وخرجوا كافرين.
٣ الرؤيا هنا: بصرية، والخطاب عام لكل من يسمع ويرى، والمعنى: أن حالهم لا تخفى على أحد ذي بصر.
٤ قال ابن عباس رضي الله عنه: ما في القرآن آية أشد توبيخًا من هذه الآية. ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾، والآية وإن نزلت في يهود المدينة، فقد ذكرت النصارى لأن حالهم سواء. والآية تنطبق اليوم على علماء المسلمين حيث تركوا الأمر والنهي، والعياذ بالله تعالى من عاقبة ذلك. فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده". الترمذي وصححه. ولولا هنا: أداة تحظيظ، والمراد: توبيخ علماؤهم وعابديهم على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٥ قال الزجاج: اللام في قوله تعالى: ﴿لبئس﴾ للقسم والتأكيد.