﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَاب﴾ ِ: اليهود والنصارى.
﴿مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ : كناية عن بسط الرزق عليهم.
﴿أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾ : معتدلة لا غالبة مفرطة، ولا جافية مفرطة.
معنى الآيات:
يحبر تعالى عن كفر اليهود وجرأتهم على الله تعالى بباطل القول وسيء العمل، فيقول: ﴿وَقَالَتِ١ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾ يريدون أنه تعالى أمسك عنهم الرزق وضيقه عليهم، فرد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ هو دعاء عليهم بأن لا يوفقوا للإنفاق فيما ينفعهم ﴿ولعنوا بما قالوا﴾. ولعنهم تعالى ولعنهم كل صالح في الأرض والسماء بسبب قولهم الخبيث الفاسد. وأكذبهم تعالى في قولهم ﴿يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾ فقال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ كما قال عنه رسوله في الصحيح: "يمين الله سحاء٢ تنفق الليل والنهار" ثم أخبر تعالى نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسله ويخفف عنه ما يجد في نفسه من جراء كفر اليهود وخبثهم فقال: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ﴾ أي: من اليهود ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من الآيات التي تبين خبثهم وتكشف النقاب عن سوء أفعالهم المخزية لهم. ﴿طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ أي: إبعاداً في الظلم والشر وكفراً بتكذيبك وتكذيب ما أنزل إليك وذلك دفعاً للحق ليبرروا باطلهم وما هم عليه من الاعتقاد الفاسد والعمل السيء، ثم أخبر تعالى رسوله بتدبيره فيهم انتقاماً منهم فقال عز وجل من قائل: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ٣ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أي: أن العداوة بين اليهود والنصارى لا تنتهي إلى يوم القيامة، ثم أخبر عن اليهود أنهم ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ﴾ وذلك بالتحريش بين الأفراد والجماعات وحتى الشعوب والأمم، وبالإغراء، وقالة السوء، ﴿أَطْفَأَهَا الله﴾ تعالى فلم يفلحوا فيما أرادوه، وقد أذلهم الله على يد رسوله والمؤمنين وأخزاهم وعن دار الإيمان أجلاهم وأخبر تعالى أنهم يسعون دائماً وأبداً في الأرض بالفساد، فلذا أبغضهم الله وغضب عليهم، لأنه تعالى لا يحب المفسدين، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٤)، أما الآية الثانية (٦٥) وهي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ من يهود ونصارى ﴿آمَنُوا﴾ بالله ورسوله وبما

١ إنه وإن القائل: فنحاص بن عازوراء فإن رضي اليهود بمقالته سلكهم في سلكه واعتبروا كلهم قائلون، إذ الرضى بالكفر كفر.
٢ هذا اللفظ معنى للحديث لا لفظه، وقد تقدم قريبًا لفظه كما في الصحيحين.
٣ الكلام صالح لأن يكون: ﴿بينهم﴾ المراد بهم اليهود أنفسهم كقوله تعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾، وأن يكون المراد بين اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم معًا في قوله تعالى: ﴿لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾، والواقع شاهد.


الصفحة التالية
Icon