به وطاعته فقال تعالى ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم١﴾ أي خلقنا أباكم آدم من طين ثم صورناه بالصورة البشرية التي ورثها بنوه عنه، ﴿ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ وفي هذا إنعام آخر وهو تكريم أبيكم آدم بأمر الملائكة بالسجود له تحية له وتعظيما ﴿فسجدوا إلا إبليس٢ لم يكن من الساجدين﴾ أي أبى وامتنع أن يسجد، فسأله ربه تعالى قائلاً: ﴿ما منعك ألا تسجد٣ إذ أمرتك﴾ أي: أي شيء جعلك لا تسجد فأجاب إبليس قائلاً: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين﴾ فأنا أشرف منه فكيف أسجد له، ولم لكن إبليس مصيباً في هذه القياس٤ الفاسد أولاً: ليست النار أشرف من الطين بل الطين أكثر نفعاً وأقل ضرراً، والنار كلها ضرر، وما فيها من نفع ليس بشيء إلى جانب الضرر وثانياً: إن الذي أمره بالسجود هو الرب الذي تجب طاعته سواء كان المسجود له فاضلاً أو مفضولاً، وهنا أمره الرب تعالى أن يهبط من الجنة فقال ﴿اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين﴾ أي الذليلين الحقيرين، ولما وقع إبليس في ورطته، وعرف سبب هلكته وهو عدم سجوده لآدم قال للرب تبارك وتعالى ﴿انظرني﴾ أي أمهلني لا تمتني ﴿إلى يوم يبعثون﴾ فأجابه الرب بقوله ﴿إلى يوم الوقت المعلوم﴾ وهو فناء هذه الدنيا فقط وذلك قبل البعث، جاء هذا الجواب في سورة الحجر وهنا قال ﴿إنك من المنظرين﴾ ومراد إبليس في الإمهال التمكن من إفساد أكبر عدد من بني آدم انتقاماً منهم إذ كان آدم هو السبب في طرده من الرحمة، ولما أجابه الرب إلى طلبه قال: ﴿فبما أغويتني﴾ أي أضللتني ﴿لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ يريد آدم وذريته، والمراد من الصراط الإسلام إذ هو الطريق المستقيم والموصل بالسالك له إلى رضوان الله تعالى {ثم لآتينهم من بين أيديهم٥ ومن خلفهم وعن
٢ استثناء من غير الجنس إذ إبليس من الجنّ ولم يكن من الملائكة.
٣ ﴿ما منعك﴾ ما: في موضع رفع بالابتداء فهي اسم استفهام والتقدير أي شيء منعك من السجود، وأن المصدرية مدغمة في لا الزائدة بدليل عدم زيادتها في ﴿ص﴾ إذ قال: ﴿ما منعك أن تسجد﴾ أي: من السجود لآدم.
٤ قال ابن عباس والحسن: أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى مع إبليس. قال العلماء: من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والأناة ولهذا تاب آدم، ومن جوهر النار الخفة والحدة والطيش والارتفاع ولذا لم يتب إبليس.
٥ معناه: لأصدنّهم عن الحق، وأرغبهم في الدنيا وأشككهم في الآخرة وهذا غاية الضلال، وقال بعضهم: المراد من قوله: ﴿من بين أيديهم﴾ من دنياهم ﴿ومن خلفهم﴾ من آخرتهم، ﴿وعن أيمانهم﴾ يعني حسناتهم ﴿وعن شمائلهم﴾ يعني سيئاتهم.